sekrinya
المك 1575;لم& #1577;
قصة قصيرة
المكالمة
توقف سعادة الوزير لحظة , قبل استلام سماعة الهاتف من خادمه " مسعود " ,
كم ظل يُمنِّي نفسه بتكرار مثل هذه المكالمات ,
يجده متهيِّبا للردّ كطفل صغير ينعقد لسانه أمام زوجة أبيه ,
حاول افتعال اللامبالاة , لكن قسمات وجهه تخونه ,
يداري تردُّده بتصحيح وضع رابطة العنق , لعله مختنق فعلا :
- التلفون أ مولاي
و التفتَ إلى النافذة المحكمة الإغلاق ,
رأى قطراتٍ متكوِّمةً في الجنبات من ضغط الحرارة في الداخل ,
لم ينتظر الإذنَ له بالانصراف , ليستدير منسحباً إلى البهو المفضي لشرفة القصر ,
تاركا خلفه سيده في انتظار ذوبان خيال المقاتة كما كان يناديه في مثل هذه الحالات ,
لو كان حرا لا تفصله عن سعادة الوزير غير هذه الأبهة الزائفة ,
لكان قد مازحه فيما هو فيه من صَغَار ,
وقع نظره على يدي السيد الوزير قبل انسحابه , و هو يمسك السماعة باليمنى ,
بينما كانت يسراه تكبس على أنفاس جهة الصوت, نفسُ المنادي الذي ترتعد له فرائص سيده ,
في البداية اشتكى " مسعود " من زعيق المنادي الذي كاد أن يثقب له طبلة أذنه ,
فما كان إلا أن نهره وعيَّرهُ بكل كنايات اللقطاء ,
منذ ذلك اليوم ,
وهو يستحمل طلب سيده بتلك اللغة البذيئة الصارخة, من يكون مصدر المكالمة ؟
يبدو هذه المرة أن القضية حامضة ,
سمَّاهُ مناديه بالحمار , حافياً هكذا من غير اسم ولا لقب ,
كان يسمع بالوزراء الحمير , لكنه لم يسمع بالحمير الوزراء ,
ومسعود في مثل هذه الحالات , يشعُّ منه الحقد الصامت على سعادة الوزير ,
لكنه لا يجرؤ على الاستغراق في التَّشفِّي به ,
من يدري ؟
لعل زفرة من صدره المحتقن بالذلِّ ,
تصعد منطوقة في حالة سهو , فتذهب بكل أحلامه في الاستمرار بهذه الوظيفة ,
بعد عطالة ثلاث سنوات ,
تسكَّع خلالها ضمن المجازين المعطَّلين بين شوارع العاصمة ,
يصبح الإنسان مُطالباً بأن تهون عليه نفسه ,
قالتها حبيبته قبل الانفصال المحتوم , وأكَّدتها سياسة العصا الغليظة بتواطؤ مع إخوان الأمس ,
لم يردَّه إلى وعيه , غير صراخ السيد الوزير آمرا بتحريك السيارة الرسمية ,
تركه يستعدُّ للمواجهة ,
سيرتدي أجمل اللباس وسيتعطر ,
وقبل الخروج هذه المرة , لن ينبِّهني إلى شيء بخصوص الليلة ,
منذ أسبوع , والليالي الحمراء زاهية بدبيب الملائكة من حسان الغيد دون العشرين ,
ولداه يدرسان في " كندا " , و زوجته الإيرانية سافرت إلى بلادها ,
سمعتُ من سائقها الخاص , وهو رجل ثقة إلا مع النساء ,
أنها ذهبت لحضور مهرجان الاحتفالات بتدشين الطاقة النووية ,
كم كرهها " مسعود " من أول يوم حطَّ رحاله بهذا السجن الفسيح ,
لم يسمعها مرة واحدة تنطق كلمة بالفصحى أو الدارجة من العربية ,
ورغم أن علاقته هو الآخر مع العرب لم تكن يوما على ما يرام ,
إلا أنه كان يشفق من حال الخدم دونه ,
حين ينتصبون كالصَّواري أمامها في انتظار ترجمة مطالبها ,
رحمة الله على الجامعة ,
لولا إجازة " مسعود " في الإنجليزية الأمريكية , لما كان قد مضى عليه هنا أكثر من ساعة ,
حلم بالفوز في القرعة السنوية للهجرة إلى بلاد العم سام ,
وفي نفسه كره دفين لرؤسائها من الجمهوريين و الديمقراطيين ,
كان يدعو على أمريكا في العلن بالخراب ,
بينما تجده في خلواته يدعو لها بطول العمر ,
مر به سعادة الوزير متعجِّلا خطوه لمفارقة البهو ,
تاركاً خلفه صورة باهتة بألوان العطر المستورد ,
وكثيرا من الصور الكاريكاتورية لما سيكون عليه بعد تلك المكالمة .
***********************
محمد المهدي السقال
المغرب
- Commentaires textes : Écrire
رائح 1577; المر 1571;ة والش 1610;طا& #1606;
رائحة المرأة والشيطان
سألتِـني مرّة ,
كيف أصرِف حاجتي إلى رائحة المرأة ,
كلما اشتدّتْ بي رغبة في جسدها ,
ظننتكِ تلمحين إلى مقدار وفائي لك ,
فقلتُ بأن شهوة الجنس لا تؤرق بالي ,
لكنك لم تصدقي مقالتي ,
وبقيتِ تُلِحين عليَّ في السؤال .
ليتكِ كنتِ تتصورين حالي ,
في هذا الركن القصيِّ من الشمال ,
بين الفصل التعليمي اليتيم ,
و أقرب نقطة شبه حضرية بها ماء أو كهرباء ,
مسافة الساعتين مشياً على الأقدام ,
إن كانت منتعلة خفاً أو حذاء ,
مثلي ,
يقطعها الأطفال دون العاشرة ,
تحت لفح الحر في فصل الصيف , أو تحت وابل المطر في فصل الشتاء ,
فيأتون حصة الدرس مرتعشين كالطير المبلل في العراء , بعد صعود منعرجات الجبل الوعرة ,
أما أنا , فأفضل حالاً منهم ,
إذ أمكُث في مكاني أتابع التغير في الزمان ,
لا أبارحه إلا عند مطلع كل عطلة رسمية ثابتة أو طارئة , كمْ أفرحُ مثل الصغار بإعلان الدولة عن إجازة غير متوقعة .
في مؤخرة المستطيل الإسمنتي , اتخذتُ زاوية أركن فيها لمعاشي ,
يفصلني عن المقاعد الخلفية المهترئة ,
ورقُُُ ُ مُقَوَّى جمعته من صناديق الزيت والسكر,
فراشي لا يحتمل اضطرابات حركتي ,
حين تنتابني أحلام أكثرها مزعج إلى حد القرف ,
يعلو على الأرض فوق ما تراكم من بقايا خشب متكسر على مدى العشر سنوات الماضية ,
قبالتي مكتبة من القصب البلديّ , تقوى رفوفها بالكادّ على حمل ما استبقيت من كتبي ,
اصطحبتها أملاً في الاستعداد ثانية لامتحان البكالوريا ,
كل معلم مِنّا يحلم بالنجاح فيها , إنها طوق النجاة من هذه العزلة القاتمة ,
و تعودين مرة أخرى للسؤال عن حالي , كلما أجِنَ الليل , و أويت إلى فراشي , لا أسمع في الفضاء غير نباح الكلاب أو حفيف بعض أوراق الشجر ,
ليتني كنتُ أتقن لعبة السرد ,
فأحكي لك عن حجم مكابدتي مع الوحدة ,
هل تعلمين أن للصمت رنين الصدى في وحشة العزلة ؟
نقل السيد المدير عن السيد المفتش عن معالي الوزير , أننا جنودُ الخفاء في هذه البلاد , نخدمُها في السرِّ من أجل رضا الله والوطن ,
كم سخرنا من السيد المدير , حين وجدناه يتلعثم في الترحيب بنا ,
لعله هو الآخر يسخر من السيد المفتش ,
أما سعادة الوزير , فثمة إجماع على أنه يسخر من نفسه ,
حين يكون بصدد قراءة ديباجة افتتاح الموسم الدراسيّ كل سنة .
هل أقول لكِ بأن الشيطان أرحمُ منهم ؟
يؤنسني في النوم واليقظة ,
يراودني عن نفسي للاجتراء على الاستمناء لتفريغ الشحنة المتكلسة ,
فتأبى عليّ نفسي كراهةً أن أُمسِك باللذة بين قبضة كفِّي أصرفها كالحيوان ,
لكن الشيطان الأرحم بي , يُلِحُّ في المراودة , فيتسلَّل عبر تعبي ,
حين أسند رأسي لوسادة خشنة ,
يأتيني في غرق نومي ,
يحملني على استحلام جميل بين يدي حسناء في غرفة أجمل , من قال إن اللاوعي باطل فهو كاذب ,
أستيقظ ,
يُعانِدني عود الكبريت البارد ,
تأخذ ظُلمة الزاوية في الانبلاج على وقع استشراء فتيل الشمعة,
أعرف وجهة الماء , لكن , كيف يمكنني الخروج في هذا الجو المطير ؟
أستحضر معاناة سكان القرية مع حاجاتهم اليومية ,
جنب كل خيمة طينية " مطمورة " للنفايات الآدمية , و ما أن تمتلئ عن آخرها , حتى تكون " مطمورة " أخرى قد فتحت جوفها لاحتضان ما سيأتي بالضرورة ,
قلت لأحد الآباء مازحاً :
أتصور " الدوار " صفيحة فوق بركان نتن ,
انطلق لسانه من عقاله ليشتم " المخزن " وكل الزبانية الذين ننتخبهم :
يتمسكنون , يتوسلون بكل الوعود الكاذبة لاقتناص أصواتنا , ثم يتمكنون ويتفرعنون ,
أخذت بعض أوراق الكراريس القديمة ,
لا يمكنني الخروج ,
قضيت ما استطعت ,
ثم عدت لأنام ما تبقى من الليل .
محمد المهدي السقال
سألتِـني مرّة ,
كيف أصرِف حاجتي إلى رائحة المرأة ,
كلما اشتدّتْ بي رغبة في جسدها ,
ظننتكِ تلمحين إلى مقدار وفائي لك ,
فقلتُ بأن شهوة الجنس لا تؤرق بالي ,
لكنك لم تصدقي مقالتي ,
وبقيتِ تُلِحين عليَّ في السؤال .
ليتكِ كنتِ تتصورين حالي ,
في هذا الركن القصيِّ من الشمال ,
بين الفصل التعليمي اليتيم ,
و أقرب نقطة شبه حضرية بها ماء أو كهرباء ,
مسافة الساعتين مشياً على الأقدام ,
إن كانت منتعلة خفاً أو حذاء ,
مثلي ,
يقطعها الأطفال دون العاشرة ,
تحت لفح الحر في فصل الصيف , أو تحت وابل المطر في فصل الشتاء ,
فيأتون حصة الدرس مرتعشين كالطير المبلل في العراء , بعد صعود منعرجات الجبل الوعرة ,
أما أنا , فأفضل حالاً منهم ,
إذ أمكُث في مكاني أتابع التغير في الزمان ,
لا أبارحه إلا عند مطلع كل عطلة رسمية ثابتة أو طارئة , كمْ أفرحُ مثل الصغار بإعلان الدولة عن إجازة غير متوقعة .
في مؤخرة المستطيل الإسمنتي , اتخذتُ زاوية أركن فيها لمعاشي ,
يفصلني عن المقاعد الخلفية المهترئة ,
ورقُُُ ُ مُقَوَّى جمعته من صناديق الزيت والسكر,
فراشي لا يحتمل اضطرابات حركتي ,
حين تنتابني أحلام أكثرها مزعج إلى حد القرف ,
يعلو على الأرض فوق ما تراكم من بقايا خشب متكسر على مدى العشر سنوات الماضية ,
قبالتي مكتبة من القصب البلديّ , تقوى رفوفها بالكادّ على حمل ما استبقيت من كتبي ,
اصطحبتها أملاً في الاستعداد ثانية لامتحان البكالوريا ,
كل معلم مِنّا يحلم بالنجاح فيها , إنها طوق النجاة من هذه العزلة القاتمة ,
و تعودين مرة أخرى للسؤال عن حالي , كلما أجِنَ الليل , و أويت إلى فراشي , لا أسمع في الفضاء غير نباح الكلاب أو حفيف بعض أوراق الشجر ,
ليتني كنتُ أتقن لعبة السرد ,
فأحكي لك عن حجم مكابدتي مع الوحدة ,
هل تعلمين أن للصمت رنين الصدى في وحشة العزلة ؟
نقل السيد المدير عن السيد المفتش عن معالي الوزير , أننا جنودُ الخفاء في هذه البلاد , نخدمُها في السرِّ من أجل رضا الله والوطن ,
كم سخرنا من السيد المدير , حين وجدناه يتلعثم في الترحيب بنا ,
لعله هو الآخر يسخر من السيد المفتش ,
أما سعادة الوزير , فثمة إجماع على أنه يسخر من نفسه ,
حين يكون بصدد قراءة ديباجة افتتاح الموسم الدراسيّ كل سنة .
هل أقول لكِ بأن الشيطان أرحمُ منهم ؟
يؤنسني في النوم واليقظة ,
يراودني عن نفسي للاجتراء على الاستمناء لتفريغ الشحنة المتكلسة ,
فتأبى عليّ نفسي كراهةً أن أُمسِك باللذة بين قبضة كفِّي أصرفها كالحيوان ,
لكن الشيطان الأرحم بي , يُلِحُّ في المراودة , فيتسلَّل عبر تعبي ,
حين أسند رأسي لوسادة خشنة ,
يأتيني في غرق نومي ,
يحملني على استحلام جميل بين يدي حسناء في غرفة أجمل , من قال إن اللاوعي باطل فهو كاذب ,
أستيقظ ,
يُعانِدني عود الكبريت البارد ,
تأخذ ظُلمة الزاوية في الانبلاج على وقع استشراء فتيل الشمعة,
أعرف وجهة الماء , لكن , كيف يمكنني الخروج في هذا الجو المطير ؟
أستحضر معاناة سكان القرية مع حاجاتهم اليومية ,
جنب كل خيمة طينية " مطمورة " للنفايات الآدمية , و ما أن تمتلئ عن آخرها , حتى تكون " مطمورة " أخرى قد فتحت جوفها لاحتضان ما سيأتي بالضرورة ,
قلت لأحد الآباء مازحاً :
أتصور " الدوار " صفيحة فوق بركان نتن ,
انطلق لسانه من عقاله ليشتم " المخزن " وكل الزبانية الذين ننتخبهم :
يتمسكنون , يتوسلون بكل الوعود الكاذبة لاقتناص أصواتنا , ثم يتمكنون ويتفرعنون ,
أخذت بعض أوراق الكراريس القديمة ,
لا يمكنني الخروج ,
قضيت ما استطعت ,
ثم عدت لأنام ما تبقى من الليل .
محمد المهدي السقال
- Commentaires textes : Écrire
الإض 1600;ــ& #1600;راب
قصة قصيرة
الإضــــراب
مهداة إلى أخــي عبد السلام فزازي
محمد المهدي السقال
شاركتَ في الإضراب ؟ واستنهض همته لتغيير نبرة صوته البارد , فوجئتُ بالسؤال , فقد انتهيت للتو من تقديم درس النصوص ,على مدى ساعة كاملة , عشت لحظة بلحظة مع الإحساس بالانزعاج المفرط من زيارته, سأبقى مدينا لهؤلاء التلاميذ الذين لم يعيروا لوجوده أدنى اهتمام , تفاعلوا كعادتهم مع حكاية , " انتحار بلبل " ,
نجحت في تمهيرهم على التساؤل عما يستيثرهم في النص , يميلون إلى تحليل تفاصيل ظروف انتحار البلبل , فأميل بهم إلى تحليل اللغة التعبيرية , وأجد العذر في ضرورة الاهتمام بالنص في كليته شكلا ومضمونا , ظللت باستمرار أحرص على عدم الزج بهم في مطلق الحقائق المؤلمة في الواقع المعيش , وظلوا بإلحاح حريصين على مكاشفة مظاهر ذلك الواقع اللعين :
ـ إضراب الأمس ؟
تحاشى التقاء عينينا , واصل كتابة جملة امتدت لآخر السطر بدون فواصل , كم وجدت خطه رديئا , لكنني تذكرت قولة معلمي , وهو يعلق على فشلي الدراسي , حين لم يجد بدا من الاعتراف بجمال حروفي على الورق:
ـ الخط فن الحمير , عليك أن تهتم بدروسك , وزاد , الخطوط تُزيَّن بها الحيطان , أما الدروس فتبقى خالدة في الذاكرة .
ـ لا لم أشارك فيه .
استعدتُ حضور ذهني , نظرت إلى أصابعه الممسكة بالقلم في ارتعاش غير واضح , فهمت سياق السؤال الاستفزازي , كدت أباشره بالاستفسار عن المناسبة , فهو مفتش يقوم بزيارة , وليس ممثل نقابة , ثم تذكرت انتماءه السياسي , جرت العادة أن نسأل عن هوية السيد المفتش الجديد , قبل أي سؤال عن تجربته أو مؤهلاته, أعرف أنه من يمين اليسار الذي دخل لعبة التوافقات الخشبية تحت موائد الحوار, لكنني أعرف أيضا مما شاع عنه , أنه لم يكن دائما راضيا على توجه حزبه , سُمع عنه أنه قال بوجود انحرافات وخروقات تنظيمية ما أنزلت بها القوانين الداخلية أو الأدبيات من سلطان ,غير أنه بعد هذا وذاك , ظل من دعاة الانضباط لقرارات القمة,
ـ ولماذا لم تنخرط في الاستجابة للدعوة إلى إضراب أمس ؟
لم يرفع بصره بعد , لعله في سطره الخامس أو السادس, يزداد خطه رداءة , صارت السطور أشبه بمنعرجات , هل كانت عينه على ما يكتب , كيف يواصل الدوران بالحروف غير المتناسقة الأحجام ؟
ـ لم أشارك ,فضلت هذه المرة أن يكون لي رأي شخصي , ودون طلب منه , وجدتني مسترسلا في تبرير موقفي ,بصراحة , للمرة الأولى في حياتي , أحس أنني قمت بشيء فكرت فيه ونفذته , انتظرت أن يسألني عن هذا الخروج المفاجئ عن الجماعة , وتخيلت أن يقول لي بأن الجماعة لا تتفق على ضلال , لكنه ظل يكتب , لعله انتهى , وضع النقطة ورفع القلم , عادة ما يكون إيذانا بالانتهاء ,
ـ كل ما في الأمر أنني استغربت عدم مشاركتك , و أنتَ الذي ..
لم يكمل الجملة ,أخذ يستعد للمغادرة , كنتُ أعرف الباقي, وحتى لا يخرج من غير الجواب عن سؤال ألح علي , استعجلته بالاستفسار عن هذه الزيارة المفاجئة , ولم تمر على زيارته الأخيرة إلا أيام معدودات على مجموع أصابع اليدين والرجلين , كم حزنت لحاله , حين أخبرني بأنه يزورني بأمر من السيد النائب عن السيد الوزير النائب عن السيدة الحكومة , كلهم يتساءلون عن تخلفي هذه المرة في مجاراة الدعوة إلى الإضراب , كان يتكلم بصوت خافت غير الذي اصطنعه في مفتتح حديثه وهو يسألني :
ـ شاركت في الإضراب ؟
*******
محمد المهدي السقال
- Commentaires textes : Écrire
عشيق 1577; السل 1591;ان
قصة قصيرة
عشيقة السلطان
محمد المهدي السقال
و حين وصل الأئمة صفّا صفّا إلى باب القصر , وجدوا الحاجب المغوار على فرس شهباء ذابلة العينين , منتظراً هؤلاء القادمين من بلاد بعيدة . كانت يدُُ على الغِمد و أخرى تراود الزمام , بينما الحوافر لا تستقر على حال , ورغم جمال السرج و نعومة ظهره الوثير من صوف وحرير, فقد أحسَّ الحاجب بشيءٍ لاِضطراب الفرس .
حذَّرهُ العرَّافُ من تكرار شبح حصان طروادة , فقرر الخروج إليهم بعد استنفار الجند بين الحريم من نساء السلطان ,
وكان رجلا مزواجاً لا ينقذه من تجاوز خطّ الشرع , سوى فريق من خاصة علمائه الكبار ,
يُحكى أنه جمع في الفراش بين خمس نساء سهواً في ليلة مطيرة باردة , وحين طار منه ما أنساه أمر دينه الذي به يعلو على الناس , وجد أنه قد وقع في تجاوز العدد المجمع عليه بالقياس , فما كان منه إلا أن استقدم رجالَه يستفتيهم في الحل ,
وكان الحاجب المعظم قبل ذلك , قد نصحهم بالامتناع عن القول بطلاق واحدة ,
لا ينسى أحد من الخاصة والعامة ما أصاب السلطان من ضيق في الحال , حين استجاب أول مرة لفتوى حاشيته من العلماء , بعد وقوعه في مثل ما وقع فيه الآن , فأطلق سراح الخامسة ,
لكنه ندم على فراق من وقع عليها " العود ",* لما كان لها في نفسه من العشق والهيام , حتى أنه كان يأتيها دون ليلتها , في غفلة من عيون ما ملكت يمينه , و زاد من وجد لوعة الفراق , سماع العاشق بركوبها قوارب الموت في عرض البحر .
و كان الحاجب الذي يعرف تفاصيل ما يجري في فراش السلطان, أحرص الناس على التكتم حول زيارة الوافدين الواقفين على الباب ,
ففي كل مناسبة تعرض , يأتون من كل فج عميق , يعرضون خدماتهم للفتوى بما ينقذ الحائر في أمر الله , متراصين للتنافس في إظهار الدراية بصناعة المخارج من الأزمات ,
أما الذين سيتم اختيارهم للإفتاء , فقد كان معروفا لديهم قبل غيرهم , أنهم بين حدين في مقصلة ساحة السلطان , إن أفتوه بما يمكن أن يغضبه في الحال والاستقبال , فكل شيء موقوف على النجاح في اختبار التحمل لما بعد الفراق ,
وبينما الحاجب يفكر في تحذير العرَّاف من شبح حصان طروادة, إذا بصوت يطالب باستعجال فتح الباب , فالشمس الحارقة فوق رؤوسهم كأنها ثابتة في كبد السماء , بينما تسمَّرت أقدامهم ملتصقة بالأرض غير المستوية منذ الفجر,
يحكى أن كبيراً في القوم , بالرغم من قُوّته التي يسبق ظلُّها الأسماع فتقشعر لها الأذان , تعسَّر عليه الصبر واقفاً في ساحة المشوار ,
بدأت الغرغرة بالضغط على الهواء , و أخذت تغالب حركة الدفع في الأمعاء , حركة المقاومة بإرادة الردع , فحاول جاهداً أن يمسك نفسه خوفاً من العار , لكن طول الانتظار نال منه , انفلتت منه قطرات متقطعة في البداية , و لم تكن لتنال من سمك ما يحضِّرونه لمثل هذه المناسبات , فكلهم يعرفون ما ينتظرهم قبل الإذن لهم بتجاوز العتبة , كانوا يهيئون أنفسهم بما يلزم لمواجهة الطوارئ التي لا ينفع معها مال و لا جاه ,
لحظة التنازع بين الدفع والجذب أمام باب السلطان , حاسمة ومصيرية , كابد الإحساس بمرارتها وحقارتها الوزراء قبل العلماء , وحين جرى السيلان دافئا بين تلاقي ثنايا الفخذين , بدأ كبير القوم في الدعاء على السيل بالتوقف قبل فوات الأوان, لكن الأمر كان قد قضي , وبدأ الخروج الأول يطل برأسه , تخيل أن يقطع دابره لحظة العلم بما هو فيه, فاستمسك بتنهيدة عميقة لم يشأ أن يطلق سراحها مخافة الانفجار , طالب الحاجب الأئمة بالتفرق بين اليمين واليسار , قبل الشروع في الاقتراب من بوابة القصر , و أصدر أمره المطاع بالتأكد من سلامة ما يصطحبونه معهم من عتاد الفتوى , وهو يزهو بين الجمع محدقا في هيئاتهم , من يدري , فقد تكون تحت هذه الجلابيب أحزمة ناسفة , أو سيوف مهندة , من كان يظن حصول الذي صار في حكاية حصان طروادة , هكذا أقنعه العراف , فصار أخوفَ على السلطان من خوفه على نفسه و ما هو فيه .
محمد المهدي السقال
* لعبة الأعواد في بلاد المغرب , كالأزلام في بلاد المشرق , غير أنها لا تستعمل الأقداح .
عشيقة السلطان
محمد المهدي السقال
و حين وصل الأئمة صفّا صفّا إلى باب القصر , وجدوا الحاجب المغوار على فرس شهباء ذابلة العينين , منتظراً هؤلاء القادمين من بلاد بعيدة . كانت يدُُ على الغِمد و أخرى تراود الزمام , بينما الحوافر لا تستقر على حال , ورغم جمال السرج و نعومة ظهره الوثير من صوف وحرير, فقد أحسَّ الحاجب بشيءٍ لاِضطراب الفرس .
حذَّرهُ العرَّافُ من تكرار شبح حصان طروادة , فقرر الخروج إليهم بعد استنفار الجند بين الحريم من نساء السلطان ,
وكان رجلا مزواجاً لا ينقذه من تجاوز خطّ الشرع , سوى فريق من خاصة علمائه الكبار ,
يُحكى أنه جمع في الفراش بين خمس نساء سهواً في ليلة مطيرة باردة , وحين طار منه ما أنساه أمر دينه الذي به يعلو على الناس , وجد أنه قد وقع في تجاوز العدد المجمع عليه بالقياس , فما كان منه إلا أن استقدم رجالَه يستفتيهم في الحل ,
وكان الحاجب المعظم قبل ذلك , قد نصحهم بالامتناع عن القول بطلاق واحدة ,
لا ينسى أحد من الخاصة والعامة ما أصاب السلطان من ضيق في الحال , حين استجاب أول مرة لفتوى حاشيته من العلماء , بعد وقوعه في مثل ما وقع فيه الآن , فأطلق سراح الخامسة ,
لكنه ندم على فراق من وقع عليها " العود ",* لما كان لها في نفسه من العشق والهيام , حتى أنه كان يأتيها دون ليلتها , في غفلة من عيون ما ملكت يمينه , و زاد من وجد لوعة الفراق , سماع العاشق بركوبها قوارب الموت في عرض البحر .
و كان الحاجب الذي يعرف تفاصيل ما يجري في فراش السلطان, أحرص الناس على التكتم حول زيارة الوافدين الواقفين على الباب ,
ففي كل مناسبة تعرض , يأتون من كل فج عميق , يعرضون خدماتهم للفتوى بما ينقذ الحائر في أمر الله , متراصين للتنافس في إظهار الدراية بصناعة المخارج من الأزمات ,
أما الذين سيتم اختيارهم للإفتاء , فقد كان معروفا لديهم قبل غيرهم , أنهم بين حدين في مقصلة ساحة السلطان , إن أفتوه بما يمكن أن يغضبه في الحال والاستقبال , فكل شيء موقوف على النجاح في اختبار التحمل لما بعد الفراق ,
وبينما الحاجب يفكر في تحذير العرَّاف من شبح حصان طروادة, إذا بصوت يطالب باستعجال فتح الباب , فالشمس الحارقة فوق رؤوسهم كأنها ثابتة في كبد السماء , بينما تسمَّرت أقدامهم ملتصقة بالأرض غير المستوية منذ الفجر,
يحكى أن كبيراً في القوم , بالرغم من قُوّته التي يسبق ظلُّها الأسماع فتقشعر لها الأذان , تعسَّر عليه الصبر واقفاً في ساحة المشوار ,
بدأت الغرغرة بالضغط على الهواء , و أخذت تغالب حركة الدفع في الأمعاء , حركة المقاومة بإرادة الردع , فحاول جاهداً أن يمسك نفسه خوفاً من العار , لكن طول الانتظار نال منه , انفلتت منه قطرات متقطعة في البداية , و لم تكن لتنال من سمك ما يحضِّرونه لمثل هذه المناسبات , فكلهم يعرفون ما ينتظرهم قبل الإذن لهم بتجاوز العتبة , كانوا يهيئون أنفسهم بما يلزم لمواجهة الطوارئ التي لا ينفع معها مال و لا جاه ,
لحظة التنازع بين الدفع والجذب أمام باب السلطان , حاسمة ومصيرية , كابد الإحساس بمرارتها وحقارتها الوزراء قبل العلماء , وحين جرى السيلان دافئا بين تلاقي ثنايا الفخذين , بدأ كبير القوم في الدعاء على السيل بالتوقف قبل فوات الأوان, لكن الأمر كان قد قضي , وبدأ الخروج الأول يطل برأسه , تخيل أن يقطع دابره لحظة العلم بما هو فيه, فاستمسك بتنهيدة عميقة لم يشأ أن يطلق سراحها مخافة الانفجار , طالب الحاجب الأئمة بالتفرق بين اليمين واليسار , قبل الشروع في الاقتراب من بوابة القصر , و أصدر أمره المطاع بالتأكد من سلامة ما يصطحبونه معهم من عتاد الفتوى , وهو يزهو بين الجمع محدقا في هيئاتهم , من يدري , فقد تكون تحت هذه الجلابيب أحزمة ناسفة , أو سيوف مهندة , من كان يظن حصول الذي صار في حكاية حصان طروادة , هكذا أقنعه العراف , فصار أخوفَ على السلطان من خوفه على نفسه و ما هو فيه .
محمد المهدي السقال
* لعبة الأعواد في بلاد المغرب , كالأزلام في بلاد المشرق , غير أنها لا تستعمل الأقداح .
- Commentaires textes : Écrire
انتح 1575;ر" العر 1576;ي "
**
قصة قصيرة
انتحار" العربي "
محمد المهدي السقال
قال:
" القنيطرة " مدينة محايدة , فانفعلتُ لتعليقه , كدتُ ألاججه , لولا أنه استدرك , بأن الحياد الذي يتحدث عنه لا علاقة له بما عرف عن المدينة من مواقف نضالية , سواء في العمل النقابي أو السياسي , رغم لعنة " ليوطي" الاستعماري , الذي سمي الميناء على واديها باسمه , استطاعت التخلص من رقبته , لتصنع لها اسما من تصغير القنطرة الرابطة بين حضارتهم و تخلفنا ,
هكذا ظل يردد .
قلت :
لعلك تقصد أنها مدينة من لا مدينة له , بحكم جدة تمدُّنها عمرانيا, بعد أن كانت في الأصل فضاءا طبيعيا يشكل ملتقى الأطراف القروية ,
وافقني الرأي ,
لكنه أبدى تحسرا غير مفهوم على هذا التمزق الذي ينخر هذه "القنيطرة " المنكسرة ,
أظن أننا كنا في الكأس الرابعة ,
نظرت إلى القنينة الخضراء وقد شارفت حمرتها على الاستواء في القاع :
ربما ستتزوج اليوم أيضا في الأولى ,
أحس أنني أستفزه بالحديث عن الزواج بالكأس الأخيرة , رغم أنها لغة من كلام الليل الذي يمحوه النهار ,
هل كنت أنسى حكايته مع الزوجة التي هجرته ,
ملت إدمانه على الدخول صحبة المؤذن فجرا , فشكته لأهلها قبل أهله , كلهم أجمعوا على مراودته بالصبر , قالت أمها : الله يعفو عليه , ثم أتبعت كلامها بانتقاد أولئك المنافقين من المتظاهرين بالزهد و التقوى , استحضرتْ لها أمثلة ممن سيدخلون الجنة بعد عمر من الزندقة والشهوات , دون أن تنسى من سيدخل النار في النهاية بعد عمر من الورع والتدين بين الناس ,
لكنها مع ذلك , هجرته , ولم يعرف أحد حقيقة ما جرى ,
حين يسكر , يبدأ في الاعترافات , تشكوه الحرمان من الفراش , قبل الشكوى من التخلي عن مسؤوليته الاقتصادية والاجتماعية ,
سمعنا عن صبرها معه , بعد توقيفه عن العمل , بسبب مشاركته في الإضراب العام سنة انتفاضة الخبز في الأرياف, كانت تسعفه بمصروف الجيب مما تساعدها به الأسرة , لكن أحدا لم يكن ليتصور المشكلة كما تعبر عنها زوجته حين تجد المناسبة لمكاشفته ,
فقد رزقا خمسة أطفال , و الإنجاب عند الناس علامة صحية على التوافق حول أمور الجنس ,
رد الكأس إليَّ : تزوج أنت يا أخي هذه المرة , أما أنا فقد اكتفيت بالزواج من " القنيطرة " ,
أحبها لأنها لا تدعي امتلاك أصل ,
وموضوع الإحساس بالانتماء للجغرافيا أو التاريخ , مما كنا نخوض فيه باستمرار, حين كنا نتجادل حول الوطن والمواطنة ,
ذات يوم , قهقه عاليا حتى أثار انتباه بعض عيون رجال الأمن في زيهم المدني :
خذ أنت الوطن , و اعطني أنا كأسا ,
علق أحد الحضور:
دريد لحام في : كأسك يا وطن .
لم تكن المرة الأولى التي نتجاذب فيها الحديث عن المدينة , ثم يتحول بنا الموضوع إلى البيت , لكنها كانت آخر مرة , فوجئت ذلك الصباح كغيري بانتحار صديقي " العربي " ,
في البداية ذاع خبر انتحاره شنقا , ولم يأت أحد بما يفند الحكاية ,
تلك الليلة , لم يشرب معنا " العربي " اكتفى بمجالستنا على غير عادته , مدعيا اشتداد الحرقة بمعدته ,
والحق , أنه لم تبد عليه أية علامة ضجر أو قنوط , بالعكس كان يشاركنا التعليقات الساخرة على حكومة البلد , وما تجره على البلاد و العباد من ويلات في الداخل والخارج ,
و كان يضحك عاليا كلما تذكر وصفاً لها قرأه في إحدى الجرائد غير المحلية , ينطقه بأمازيغيته التي لم يمحها عيشه في المدينة أربعين عاما , فنبتسم عميقا .
لذلك , فوجئت بانتحاره ,
ظل دائما يقول : إذا كان الموت قدرا محتوما , فعلى الأقل , ليكن من أجل شيء يستحقه ,
وهاهو الآن يموت ,
هل مات من أجل شيء يستحقه ؟
لم يرد علي صاحبي , ونحن نتبادل فيه العزاء ,
بينما صوت " محمد عبد الوهاب " يصدح في الجو العابق بالدخان : " مِنْ غِيرْ لِيهْ " .
القنيطرة / المغرب
محمد المهدي السقال
قصة قصيرة
انتحار" العربي "
محمد المهدي السقال
قال:
" القنيطرة " مدينة محايدة , فانفعلتُ لتعليقه , كدتُ ألاججه , لولا أنه استدرك , بأن الحياد الذي يتحدث عنه لا علاقة له بما عرف عن المدينة من مواقف نضالية , سواء في العمل النقابي أو السياسي , رغم لعنة " ليوطي" الاستعماري , الذي سمي الميناء على واديها باسمه , استطاعت التخلص من رقبته , لتصنع لها اسما من تصغير القنطرة الرابطة بين حضارتهم و تخلفنا ,
هكذا ظل يردد .
قلت :
لعلك تقصد أنها مدينة من لا مدينة له , بحكم جدة تمدُّنها عمرانيا, بعد أن كانت في الأصل فضاءا طبيعيا يشكل ملتقى الأطراف القروية ,
وافقني الرأي ,
لكنه أبدى تحسرا غير مفهوم على هذا التمزق الذي ينخر هذه "القنيطرة " المنكسرة ,
أظن أننا كنا في الكأس الرابعة ,
نظرت إلى القنينة الخضراء وقد شارفت حمرتها على الاستواء في القاع :
ربما ستتزوج اليوم أيضا في الأولى ,
أحس أنني أستفزه بالحديث عن الزواج بالكأس الأخيرة , رغم أنها لغة من كلام الليل الذي يمحوه النهار ,
هل كنت أنسى حكايته مع الزوجة التي هجرته ,
ملت إدمانه على الدخول صحبة المؤذن فجرا , فشكته لأهلها قبل أهله , كلهم أجمعوا على مراودته بالصبر , قالت أمها : الله يعفو عليه , ثم أتبعت كلامها بانتقاد أولئك المنافقين من المتظاهرين بالزهد و التقوى , استحضرتْ لها أمثلة ممن سيدخلون الجنة بعد عمر من الزندقة والشهوات , دون أن تنسى من سيدخل النار في النهاية بعد عمر من الورع والتدين بين الناس ,
لكنها مع ذلك , هجرته , ولم يعرف أحد حقيقة ما جرى ,
حين يسكر , يبدأ في الاعترافات , تشكوه الحرمان من الفراش , قبل الشكوى من التخلي عن مسؤوليته الاقتصادية والاجتماعية ,
سمعنا عن صبرها معه , بعد توقيفه عن العمل , بسبب مشاركته في الإضراب العام سنة انتفاضة الخبز في الأرياف, كانت تسعفه بمصروف الجيب مما تساعدها به الأسرة , لكن أحدا لم يكن ليتصور المشكلة كما تعبر عنها زوجته حين تجد المناسبة لمكاشفته ,
فقد رزقا خمسة أطفال , و الإنجاب عند الناس علامة صحية على التوافق حول أمور الجنس ,
رد الكأس إليَّ : تزوج أنت يا أخي هذه المرة , أما أنا فقد اكتفيت بالزواج من " القنيطرة " ,
أحبها لأنها لا تدعي امتلاك أصل ,
وموضوع الإحساس بالانتماء للجغرافيا أو التاريخ , مما كنا نخوض فيه باستمرار, حين كنا نتجادل حول الوطن والمواطنة ,
ذات يوم , قهقه عاليا حتى أثار انتباه بعض عيون رجال الأمن في زيهم المدني :
خذ أنت الوطن , و اعطني أنا كأسا ,
علق أحد الحضور:
دريد لحام في : كأسك يا وطن .
لم تكن المرة الأولى التي نتجاذب فيها الحديث عن المدينة , ثم يتحول بنا الموضوع إلى البيت , لكنها كانت آخر مرة , فوجئت ذلك الصباح كغيري بانتحار صديقي " العربي " ,
في البداية ذاع خبر انتحاره شنقا , ولم يأت أحد بما يفند الحكاية ,
تلك الليلة , لم يشرب معنا " العربي " اكتفى بمجالستنا على غير عادته , مدعيا اشتداد الحرقة بمعدته ,
والحق , أنه لم تبد عليه أية علامة ضجر أو قنوط , بالعكس كان يشاركنا التعليقات الساخرة على حكومة البلد , وما تجره على البلاد و العباد من ويلات في الداخل والخارج ,
و كان يضحك عاليا كلما تذكر وصفاً لها قرأه في إحدى الجرائد غير المحلية , ينطقه بأمازيغيته التي لم يمحها عيشه في المدينة أربعين عاما , فنبتسم عميقا .
لذلك , فوجئت بانتحاره ,
ظل دائما يقول : إذا كان الموت قدرا محتوما , فعلى الأقل , ليكن من أجل شيء يستحقه ,
وهاهو الآن يموت ,
هل مات من أجل شيء يستحقه ؟
لم يرد علي صاحبي , ونحن نتبادل فيه العزاء ,
بينما صوت " محمد عبد الوهاب " يصدح في الجو العابق بالدخان : " مِنْ غِيرْ لِيهْ " .
القنيطرة / المغرب
محمد المهدي السقال
- Commentaires textes : Écrire