sekrinya
السي 1583; الرئ 1610;س و الأز 1576;ال
السيد الرئيس و الأزبال
خرجت كما دخلت مهـموما مغمـوما , لكن بحماسة أكثر فتـورا , تاركا خلفي مستطيلا ينحدر إلى أسفل , مكتب السيد رئيس المجلس البلدي , لو كان أحد حدثني عنه بسوء ما يأت من أفعال مع جمهور المواطنين , ما كنت صدقت , ارتسمت عنه صورة جميلة في الذاكرة , يصعد المنصة للخطبة في الناس , ملوحا بالوعيد في حق هؤلاء السماسرة الذين تناسلوا كالفطر , وكلما أحس أنه ممسك بالعـواطف الجريـحة , كلما زاد صوتـه حدة في النبر والتنغيم , بكل ما أوتي من بلاغة المنابر العصماء , حتى ظن البعض أنه هو الآخر يقرأ مكتوب الوزارة الدينية . سألني بسخرية لاذعة :
- هل تريد أن نطرد عامل النظافة الليلي ؟
اكتبوا عريضة يوقع عليها كل سكان الحي , مستنكرين إهماله في القيام بواجبه , و سترى , لن يطلع عليه النهار , حتى تجده في الشارع ملوما محسورا غير مأسوف عليه , ليته فسح لي المجال لأضعه في الصورة , أفشل باستمرار في إقناع زوجتي أيام آخر الشهر , تتـمـنـع حتى عن الاستماع إلي , ثم استدرك , أنت تعرف هؤلاء الاشتراكيين , إذا سمعوا بقرار في حق رفيق منهم , سوف يقيمون الدنيا على رأسي , و لن يقعدوها إلا على جثتي .
- العريضة احتياط إذن ؟ كان الصمت دليلا على الرضاء عن السؤال , شعرت برغبته في التخلص مني , زوجتي عنيدة في رفضها إذا رفضت , تتخلص من محاولاتي بمهارة , أبدى انشغاله عني بتناول بعض الأوراق المبعثرة أمامه , سبحان مبدل الأحوال , وقام ورائي ليحكم الباب , سمعت حركة المزلاج , استدرت تاركا خلفي مستطيلا ينحدر إلى أسفل , مكتب السيد رئيس المجلس البلدي , تماما كما تصدني كلما حاولت معها , لم نتمكن من لقائه إلا بعد خمسة أيام , تناوبنا خلالها على التربص به صباح مساء , ألجأنا إليه المسؤول عن قسم النظافة بالبلدية , بعدما اعتذر عن التدخل في الأمر , بدعوى أن كل شيء بيد السيد الرئيس , أثارت نبرته المستكينة شفقتنا , يتحدث عن سيده في الغياب كأنه ماثل أمام عينيه , قال *السي عبد السلام* شيء عادي , علاقة المرؤوسية تستلزم هذا الاحترام , حكينا له عن الوضعية التي يتخبط فيها الساكنة , بسبب لجوء العمال إلى مراكمة الأزبال تحت نوافذ ملتقى أربعة دروب , مما يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة , يتضرر منها الصغار قبل الكبار.... كدت أحدثه عن الليالي البيضاء صحبة العاطر من روائح تلك الأزبال , عيرتني أكثر من مرة بالسؤال عن الرجولة , حاولنا تبرير الشكوى إليه من هؤلاء العمال , بنفاذ صبرنا بعد بذل كل ما يمكن من الجهد , لإقناعهم باختيار مكان آخر أنسب و أبعد عن إلحاق الأذى بالعباد .... كنا نظن أننا سنلتقي مسؤولا عليه الهيبة والوقار , وإذا بنا أمام إنسان يجلس على كرسي خشبي , واضعا رجلا على رجل , يقرأ جريدة بالفرنسية ....كما تجلس النساء في *الموقف* بانتظار الزبناء من كل الأصناف ,يبادرنك بالسؤال عما تقصد , فتحدثهن عيناك , يقرأن الزيغ قبل الكف , لا مكتب ولا رفوف ولا أدنى ما يمكن أن يوحي بأنك في مكتب إداري ...... بادره*السي عبد السلام*بالتحية الإسلامية , فردها باندهاش فاتر , كـنا جماعة تحجب عنه ما يصل بالكاد من ضوء الشمس .... استمع إلينا باهتمام لم يمنعه حتى من طي الصحيفة , استرسل في الجواب عن أمرنا بحديث يخصه هو , وانتهى إلى نفض يده من المشكلة التي جئنا لعرضها على سيادته من موقعه , مكتوب على الباب : رئيس مصلحة النظافة البلدية .........
والمعمول ؟
- عليكم بمقابلة السيد الرئيس ... و جحظ *السي عبد السلام* عينيه , ظننته سيقع في نفس الخطأ الذي يقع فيه إذا قابل مسؤولا ... يبدأ باستنكار العبث الإداري , وينتهي بلعنة السياسة والسياسيين من أهل اليمين واليسار وما بينهما .... كدت أتدخل لإنقاذ الموقف , لولا أنه عاد و استسمح صاحب النظافة عن هذا الإزعاج... فيما بعد , قال لي بأنه لم يقصد التهكم منه , وتفهمت مقالته ...., حتما لم يكن مستعدا لهضم شماتة النساء بعجزنا عن حل مثل هذه المشاكل , حدثتني زوجتي ذات ليلة سوداء , عن همسات نساء الحي , يقلن : رجال غير في الفراش , يقف بباب مكتب الرئيس شاب مربوع القد حسن الهندام , لم أكد أن أستبين ملامحه , حتى بادرنا بالسؤال عن القصد من الدخول عند سعادة الرئيس , ابتسمنا... بقي جامدا لا تلمح غير زوغان المقلتين في محجرين متعبين , لعله يقرأ كف مشاعر السخرية في نظراتنا القلقة . وحتى أشبع فضوله اليتيم , أخبرته بأزمة سكان حي*بوشويكة* مع عمال النظافة الليليين.... , وما أصبـح الأطفال يعانون من زكام حاد , أشبه بما يعرف بأنـفلوانزا الطيور , انتصب الشاب مستعيدا ثقته بنفسه , ثم نطق بموازاة حركة جسده النحيف , مشيـرا علينا بالاتـجاه نحـو المسؤول صاحب الجريدة , ــ إنه ليس هنا , أفضل لكم.......... كان وجهه محمرا من غضب أو من خجل , ويمناه تمسك بمقبض الباب إمساك الجائع بكسرة خبز ,
ــ نأتي غدا ....
ــ أو بعد غد , إنـه في الرباط ..... وأدار وجهه إلى جهة الممر الضيق , كل الناس يعرفون أن السيد الرئيس , لا يدخل أو يخرج من البوابة الرئيسة .... أحسست أن *السي عبد السلام* فهم الحركة ,
ــ بعد غد إذن - إن شاء الله...... عدنا بخفي حنين , كـما نعود أيام آخر الشهر , وفي أنفسنا أكثر من سؤال , أقسم *الحاج عبد الله* باليمين المغلظة , أننا لن نلتقي الرئيس بعد غد ... وأيـدتـه على قسمه في داخلي .... استدرك بأن الموضوع لا يستحق كل هذه الهـيـلـلـة.... إنما يتعلق الأمر بعامل بسيط , يصر على مراكمة النفايات في المكان الخطأ , ونحن منه المتضررون , ألم يقل العامل نفسه , بأننا لن نلحق إلا الريح , وأن هذا هو شغله , أحب من أحب وكره من كره ... بنفس الاستقبال , ولنفس النتيجة انتهينا بعد غد , سوى أن الشاب كان أكثر احمرارا , من خجل أو من شعور بذنب أتاه في حقنا.... ــ والعمل ؟ ــ لقد جاء إلى المكتب مبكرا , قضى بعض حوائجه على عجل ثم خرج , والله لا أعلم أين هو ... .. تعالوا بعد غد , إنه يستقبل يوم الجمعة ... أثناء الطريق , حكيت للرفقة عما وقع لي مع العامل إياه , ليلة الخميس الفائت , انتظرت وصوله المعتاد في منتصف الليل , لأضبطه وهو في حالة التلبس , ما كاد يبدأ في التجميع الذي نشتكي منه , حتى كنت له بالمرصاد , وقفت في وجهه , أمنعه من تكرار اللعبة, حاول التمادي بصم الأذن , نبهته إلى ما يمكن أن يكون لفعله من عواقب , تحداني بلغة بذيئة , لحسن الحظ لم يكن أبنائي مستيقظين .... تصديت له دون جدوى , أصـر على مواصلة ما قال عنه إنه شغله , وانسحب تاركا خلفه ركاما من الأزبال أكثر من المعتاد , رائحة نتنة , عيونها مسمرة علي , هل أرضيت شوقها لرؤيتي رجلا ..... عادة الشاحنة أن تمر للجمع مع وقت صلاة الظهر , ستبقى هذه الكومة أكثر من اثني عشر ساعة, وليس علينا إلا احتمال هذا الضرر .... أخرجت من البيت مدية كبيرة حادة , وبدأت أمزق ما وسعني التمزيق , كل الأكياس البلاستيكية السوداء , كان أكثرها ممزقا سلفا , تقطر منه عصائر الطماطم والبطيخ و الدلاح , وأحشاء سردين ودجاج أبيض.... ابتسمت , لا يفهم تجاعيدها بيت التمدد والتقلص غيري , تصير أكبر من سنها , حين وصلت الفرقة الزوالية , كنت واقفا بالباب أنتظر ردة فعلهم إزاء الذي وقع , كانوا على وشك الصراخ في وجه الساكنة , حين أجبتهم عن تساؤلهم عن الفاعل ...
ــ أنا من مزق الأكياس , وسأفعل ذلك كل ليلة ,حتى تفهموا أننا نتضرر من هذه الوضعية.... حاول أحدهم التدخل , لم يقل أكثر مما يقوله صاحبهم .... اعترفت للرفقة بأنني هددت العمال بالسلاح الأبيض , إن وجدت أحدا يجمع ذلك الركام تحت النوافذ... ــ هذا إذن سبب عدم استقبالنا...
ــ يمكن....... عدنا لمقابلة السيد الرئيس , في يوم الاستقبال الأسبوعي للعامة من أهل المدينة , صرنا ثلاثة فقط , بعدما تعذر على اثنين الحضور يومها وساعتها ...., الصف طويل بمثنى وثلاث ورباع وخماس... كنا ضمن المبكرين , وكان الشاب راضيا عن التحدث إلينا .... حدثه عن زكامكم دون وصفه بالكلمة الاجنبية, تعرفون أن السيد الرئيس أمي , انحنى ما وسعه الانحناء كالخائف من ريح عاتية , نبهني إلى تقديمكم حال وصوله , سوف يستقبلكم السيد الرئيس ....... ابتسم له *السي عبد السلام* , وهو يستـديـر إلي .
ــ أنت من سيتكلم في الموضوع , كن حارا , وقبل أن أنبس ببنت شفة , فاجأنا بالسؤال , أتعرفون بأن الحديث في *أنفلوانزا* الطيور من أمور السياسة ؟ تبادلنا نظرات استغراب , نطق الكلمة كما يجب , عرضت أمامه مضمون تظلمنا مما يلحقنا من أذى , وما نعانيه من ضرر باختصار شديد , ساكـتا عن حادثة المواجهة وما صاحبها من التهديد , كان يستمع إلينا باهتمام , كنا واقفين , لم يعرض علينا اعتمار المقاعد الوتيرة إلى جانبه الأيسر , مرت خمس دقائق , تدخل *الحاج عبد الله* بما يشبه الاستعطاف والرجاء في تدخل السيد الرئيس , لوقف هذا الضرر , استعمل لفظة النفايات وهو يقصد الأزبال ......... نحنح السيد الرئيس وهو يستوي ثانية على مقعده الجلدي المتحرك كأنه لم يفهم , ثم قال : - أنا أتفهم المشكلة , لكن الناس هم الذين لا يتفهمون , أين سنجمع هذه الأزبال ؟ ثم عاد إلى السياسة من باب الفتنة المحتملة , إن نحن استمررنا في ترويج إشاعة وجود أنفلوانزا الطيور في المدينة , لم أدر كيف خطرت على *السي عبد السلام* فكرة إقحام تضرر المسجد خلف الدرب المحاذي للمقبرة , اضطرب السيد الرئيس , كـأني بالرجل أصابه مس , أليس محسوبا على الجماعة , ــ سيدي الرئيس , يمكن أن تعد قمامات كبيرة متحركة , تفتح وتغلق , إلى حين وصول الشاحنة , وبذلك يمنع الأذى عن السكان .... قاطعني بازدراء متهكما من اقتراحي , أنا أحدثك عن شأن عام وأنت تتكلم على قد أنفك ....
- كيف تسمحون لأنفسكم بالخوض في شؤون السياسة , أتظنون بأنني غافل عن حزبكم , هذا اختصاصكم , من الزبل للسياسة , وفتح السيد الرئيس فاه لتجلو بوضوح أسنانه الصدئة ,
- أسيدي , اتفقوا فيما بينكم , و اشتروا هذه القمامات من الغد , ــ لكن , سيدي الرئيس , هذا من اختصاص المجلس , نحن نـؤدي الضريبة المسماة صراحة بالضريبة على النظافة , وتحت طائلة المتابعة بالحبس عند عدم الأداء ...
ــ اكتبوا عريضة يوقعها هؤلاء المتضررون , وسأتولى أمرها بنفسي شخصيا , مع السلامة , استدرك بلغة تهديدية , لا أريد أن أسمع حس ذلك الزكام , انتم الآن مسؤولون عن تبعات الإشاعة في البلد ... تلقفنا الشاب عند مخرج الباب مستفسرا عن النتيـجة , مثل سيده , بدا منـشغلا بالزكام القاتـل , ارتد إلى الخلف بسرعة جنونية, كانت عطسة*السي عبد السلام*حادة , نصحنا بعدم كتابة تلك العريضة , لأنها ستكون السلاح الذي يبطش به في وجه بعض العمال من بقايا المجلس السابق , كان يتكلم بصوت خافت ينم عن خوف دفين , ولم يشعر الشاب بالارتياح , إلا بعدما أفرغ ما في جعبته , قال بأن أغلب العمال مؤقتون , و بأن مناصبهم موضوع مزايدات بين الرئيس وحواريه, فقد بلغت الرشوة المطلوبة للتعيين في مهمة" زبال " أكثر من ثلاثة ملايين , بعد الإدلاء بشهادة معطل جامعي ... , نظرنا إلى بعضنا البعض , والخطو يأخذنا إلى البهو المنفتح على نافورة جميلة تتعالى خيوط الماء وسطها بأشكال حلزونية... تمنيت لو أننا لم ندخل مكتب الرئيس بالمرة .... وتذكرت لقاءنا الأول مع رئيس مصلحة النظافة البلدية , لعله هو الآخر , من المغضوب عليهم في هذا المجلس الجديد ... للإشارة فقط , أغلب أعضاء هذا المجلس , معارف تاريخ نقابي وسياسي في المدينة , كانوا يأكلون ويمشون في الأسواق , ثم جاءت هذه الانتخابات الماردة , فحولت الصغير إلى كبير , والجاهل إلى عالم , والمتدين إلى فقيه , أما من ظل العمر كله يسكن في الأطراف , يركب إذا ركب دراجة , فقد صار يعرف كيف يقتعد سيارات المجلس من الخلف , يشيعه الحواري بالانحناء كالإمام , وهو يلقي بالتحية من فوق , فلا يتحركون إلا إذا غابت الصفيحة الحمراء , لماذا كتب حرف الجيم بالحمر ؟ قال *السي عبد السلام* :
- ج تعني جابها الله , لكن إلى متى ؟
محمد المهدي السقال
المغرب / القنيطرة
خرجت كما دخلت مهـموما مغمـوما , لكن بحماسة أكثر فتـورا , تاركا خلفي مستطيلا ينحدر إلى أسفل , مكتب السيد رئيس المجلس البلدي , لو كان أحد حدثني عنه بسوء ما يأت من أفعال مع جمهور المواطنين , ما كنت صدقت , ارتسمت عنه صورة جميلة في الذاكرة , يصعد المنصة للخطبة في الناس , ملوحا بالوعيد في حق هؤلاء السماسرة الذين تناسلوا كالفطر , وكلما أحس أنه ممسك بالعـواطف الجريـحة , كلما زاد صوتـه حدة في النبر والتنغيم , بكل ما أوتي من بلاغة المنابر العصماء , حتى ظن البعض أنه هو الآخر يقرأ مكتوب الوزارة الدينية . سألني بسخرية لاذعة :
- هل تريد أن نطرد عامل النظافة الليلي ؟
اكتبوا عريضة يوقع عليها كل سكان الحي , مستنكرين إهماله في القيام بواجبه , و سترى , لن يطلع عليه النهار , حتى تجده في الشارع ملوما محسورا غير مأسوف عليه , ليته فسح لي المجال لأضعه في الصورة , أفشل باستمرار في إقناع زوجتي أيام آخر الشهر , تتـمـنـع حتى عن الاستماع إلي , ثم استدرك , أنت تعرف هؤلاء الاشتراكيين , إذا سمعوا بقرار في حق رفيق منهم , سوف يقيمون الدنيا على رأسي , و لن يقعدوها إلا على جثتي .
- العريضة احتياط إذن ؟ كان الصمت دليلا على الرضاء عن السؤال , شعرت برغبته في التخلص مني , زوجتي عنيدة في رفضها إذا رفضت , تتخلص من محاولاتي بمهارة , أبدى انشغاله عني بتناول بعض الأوراق المبعثرة أمامه , سبحان مبدل الأحوال , وقام ورائي ليحكم الباب , سمعت حركة المزلاج , استدرت تاركا خلفي مستطيلا ينحدر إلى أسفل , مكتب السيد رئيس المجلس البلدي , تماما كما تصدني كلما حاولت معها , لم نتمكن من لقائه إلا بعد خمسة أيام , تناوبنا خلالها على التربص به صباح مساء , ألجأنا إليه المسؤول عن قسم النظافة بالبلدية , بعدما اعتذر عن التدخل في الأمر , بدعوى أن كل شيء بيد السيد الرئيس , أثارت نبرته المستكينة شفقتنا , يتحدث عن سيده في الغياب كأنه ماثل أمام عينيه , قال *السي عبد السلام* شيء عادي , علاقة المرؤوسية تستلزم هذا الاحترام , حكينا له عن الوضعية التي يتخبط فيها الساكنة , بسبب لجوء العمال إلى مراكمة الأزبال تحت نوافذ ملتقى أربعة دروب , مما يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة , يتضرر منها الصغار قبل الكبار.... كدت أحدثه عن الليالي البيضاء صحبة العاطر من روائح تلك الأزبال , عيرتني أكثر من مرة بالسؤال عن الرجولة , حاولنا تبرير الشكوى إليه من هؤلاء العمال , بنفاذ صبرنا بعد بذل كل ما يمكن من الجهد , لإقناعهم باختيار مكان آخر أنسب و أبعد عن إلحاق الأذى بالعباد .... كنا نظن أننا سنلتقي مسؤولا عليه الهيبة والوقار , وإذا بنا أمام إنسان يجلس على كرسي خشبي , واضعا رجلا على رجل , يقرأ جريدة بالفرنسية ....كما تجلس النساء في *الموقف* بانتظار الزبناء من كل الأصناف ,يبادرنك بالسؤال عما تقصد , فتحدثهن عيناك , يقرأن الزيغ قبل الكف , لا مكتب ولا رفوف ولا أدنى ما يمكن أن يوحي بأنك في مكتب إداري ...... بادره*السي عبد السلام*بالتحية الإسلامية , فردها باندهاش فاتر , كـنا جماعة تحجب عنه ما يصل بالكاد من ضوء الشمس .... استمع إلينا باهتمام لم يمنعه حتى من طي الصحيفة , استرسل في الجواب عن أمرنا بحديث يخصه هو , وانتهى إلى نفض يده من المشكلة التي جئنا لعرضها على سيادته من موقعه , مكتوب على الباب : رئيس مصلحة النظافة البلدية .........
والمعمول ؟
- عليكم بمقابلة السيد الرئيس ... و جحظ *السي عبد السلام* عينيه , ظننته سيقع في نفس الخطأ الذي يقع فيه إذا قابل مسؤولا ... يبدأ باستنكار العبث الإداري , وينتهي بلعنة السياسة والسياسيين من أهل اليمين واليسار وما بينهما .... كدت أتدخل لإنقاذ الموقف , لولا أنه عاد و استسمح صاحب النظافة عن هذا الإزعاج... فيما بعد , قال لي بأنه لم يقصد التهكم منه , وتفهمت مقالته ...., حتما لم يكن مستعدا لهضم شماتة النساء بعجزنا عن حل مثل هذه المشاكل , حدثتني زوجتي ذات ليلة سوداء , عن همسات نساء الحي , يقلن : رجال غير في الفراش , يقف بباب مكتب الرئيس شاب مربوع القد حسن الهندام , لم أكد أن أستبين ملامحه , حتى بادرنا بالسؤال عن القصد من الدخول عند سعادة الرئيس , ابتسمنا... بقي جامدا لا تلمح غير زوغان المقلتين في محجرين متعبين , لعله يقرأ كف مشاعر السخرية في نظراتنا القلقة . وحتى أشبع فضوله اليتيم , أخبرته بأزمة سكان حي*بوشويكة* مع عمال النظافة الليليين.... , وما أصبـح الأطفال يعانون من زكام حاد , أشبه بما يعرف بأنـفلوانزا الطيور , انتصب الشاب مستعيدا ثقته بنفسه , ثم نطق بموازاة حركة جسده النحيف , مشيـرا علينا بالاتـجاه نحـو المسؤول صاحب الجريدة , ــ إنه ليس هنا , أفضل لكم.......... كان وجهه محمرا من غضب أو من خجل , ويمناه تمسك بمقبض الباب إمساك الجائع بكسرة خبز ,
ــ نأتي غدا ....
ــ أو بعد غد , إنـه في الرباط ..... وأدار وجهه إلى جهة الممر الضيق , كل الناس يعرفون أن السيد الرئيس , لا يدخل أو يخرج من البوابة الرئيسة .... أحسست أن *السي عبد السلام* فهم الحركة ,
ــ بعد غد إذن - إن شاء الله...... عدنا بخفي حنين , كـما نعود أيام آخر الشهر , وفي أنفسنا أكثر من سؤال , أقسم *الحاج عبد الله* باليمين المغلظة , أننا لن نلتقي الرئيس بعد غد ... وأيـدتـه على قسمه في داخلي .... استدرك بأن الموضوع لا يستحق كل هذه الهـيـلـلـة.... إنما يتعلق الأمر بعامل بسيط , يصر على مراكمة النفايات في المكان الخطأ , ونحن منه المتضررون , ألم يقل العامل نفسه , بأننا لن نلحق إلا الريح , وأن هذا هو شغله , أحب من أحب وكره من كره ... بنفس الاستقبال , ولنفس النتيجة انتهينا بعد غد , سوى أن الشاب كان أكثر احمرارا , من خجل أو من شعور بذنب أتاه في حقنا.... ــ والعمل ؟ ــ لقد جاء إلى المكتب مبكرا , قضى بعض حوائجه على عجل ثم خرج , والله لا أعلم أين هو ... .. تعالوا بعد غد , إنه يستقبل يوم الجمعة ... أثناء الطريق , حكيت للرفقة عما وقع لي مع العامل إياه , ليلة الخميس الفائت , انتظرت وصوله المعتاد في منتصف الليل , لأضبطه وهو في حالة التلبس , ما كاد يبدأ في التجميع الذي نشتكي منه , حتى كنت له بالمرصاد , وقفت في وجهه , أمنعه من تكرار اللعبة, حاول التمادي بصم الأذن , نبهته إلى ما يمكن أن يكون لفعله من عواقب , تحداني بلغة بذيئة , لحسن الحظ لم يكن أبنائي مستيقظين .... تصديت له دون جدوى , أصـر على مواصلة ما قال عنه إنه شغله , وانسحب تاركا خلفه ركاما من الأزبال أكثر من المعتاد , رائحة نتنة , عيونها مسمرة علي , هل أرضيت شوقها لرؤيتي رجلا ..... عادة الشاحنة أن تمر للجمع مع وقت صلاة الظهر , ستبقى هذه الكومة أكثر من اثني عشر ساعة, وليس علينا إلا احتمال هذا الضرر .... أخرجت من البيت مدية كبيرة حادة , وبدأت أمزق ما وسعني التمزيق , كل الأكياس البلاستيكية السوداء , كان أكثرها ممزقا سلفا , تقطر منه عصائر الطماطم والبطيخ و الدلاح , وأحشاء سردين ودجاج أبيض.... ابتسمت , لا يفهم تجاعيدها بيت التمدد والتقلص غيري , تصير أكبر من سنها , حين وصلت الفرقة الزوالية , كنت واقفا بالباب أنتظر ردة فعلهم إزاء الذي وقع , كانوا على وشك الصراخ في وجه الساكنة , حين أجبتهم عن تساؤلهم عن الفاعل ...
ــ أنا من مزق الأكياس , وسأفعل ذلك كل ليلة ,حتى تفهموا أننا نتضرر من هذه الوضعية.... حاول أحدهم التدخل , لم يقل أكثر مما يقوله صاحبهم .... اعترفت للرفقة بأنني هددت العمال بالسلاح الأبيض , إن وجدت أحدا يجمع ذلك الركام تحت النوافذ... ــ هذا إذن سبب عدم استقبالنا...
ــ يمكن....... عدنا لمقابلة السيد الرئيس , في يوم الاستقبال الأسبوعي للعامة من أهل المدينة , صرنا ثلاثة فقط , بعدما تعذر على اثنين الحضور يومها وساعتها ...., الصف طويل بمثنى وثلاث ورباع وخماس... كنا ضمن المبكرين , وكان الشاب راضيا عن التحدث إلينا .... حدثه عن زكامكم دون وصفه بالكلمة الاجنبية, تعرفون أن السيد الرئيس أمي , انحنى ما وسعه الانحناء كالخائف من ريح عاتية , نبهني إلى تقديمكم حال وصوله , سوف يستقبلكم السيد الرئيس ....... ابتسم له *السي عبد السلام* , وهو يستـديـر إلي .
ــ أنت من سيتكلم في الموضوع , كن حارا , وقبل أن أنبس ببنت شفة , فاجأنا بالسؤال , أتعرفون بأن الحديث في *أنفلوانزا* الطيور من أمور السياسة ؟ تبادلنا نظرات استغراب , نطق الكلمة كما يجب , عرضت أمامه مضمون تظلمنا مما يلحقنا من أذى , وما نعانيه من ضرر باختصار شديد , ساكـتا عن حادثة المواجهة وما صاحبها من التهديد , كان يستمع إلينا باهتمام , كنا واقفين , لم يعرض علينا اعتمار المقاعد الوتيرة إلى جانبه الأيسر , مرت خمس دقائق , تدخل *الحاج عبد الله* بما يشبه الاستعطاف والرجاء في تدخل السيد الرئيس , لوقف هذا الضرر , استعمل لفظة النفايات وهو يقصد الأزبال ......... نحنح السيد الرئيس وهو يستوي ثانية على مقعده الجلدي المتحرك كأنه لم يفهم , ثم قال : - أنا أتفهم المشكلة , لكن الناس هم الذين لا يتفهمون , أين سنجمع هذه الأزبال ؟ ثم عاد إلى السياسة من باب الفتنة المحتملة , إن نحن استمررنا في ترويج إشاعة وجود أنفلوانزا الطيور في المدينة , لم أدر كيف خطرت على *السي عبد السلام* فكرة إقحام تضرر المسجد خلف الدرب المحاذي للمقبرة , اضطرب السيد الرئيس , كـأني بالرجل أصابه مس , أليس محسوبا على الجماعة , ــ سيدي الرئيس , يمكن أن تعد قمامات كبيرة متحركة , تفتح وتغلق , إلى حين وصول الشاحنة , وبذلك يمنع الأذى عن السكان .... قاطعني بازدراء متهكما من اقتراحي , أنا أحدثك عن شأن عام وأنت تتكلم على قد أنفك ....
- كيف تسمحون لأنفسكم بالخوض في شؤون السياسة , أتظنون بأنني غافل عن حزبكم , هذا اختصاصكم , من الزبل للسياسة , وفتح السيد الرئيس فاه لتجلو بوضوح أسنانه الصدئة ,
- أسيدي , اتفقوا فيما بينكم , و اشتروا هذه القمامات من الغد , ــ لكن , سيدي الرئيس , هذا من اختصاص المجلس , نحن نـؤدي الضريبة المسماة صراحة بالضريبة على النظافة , وتحت طائلة المتابعة بالحبس عند عدم الأداء ...
ــ اكتبوا عريضة يوقعها هؤلاء المتضررون , وسأتولى أمرها بنفسي شخصيا , مع السلامة , استدرك بلغة تهديدية , لا أريد أن أسمع حس ذلك الزكام , انتم الآن مسؤولون عن تبعات الإشاعة في البلد ... تلقفنا الشاب عند مخرج الباب مستفسرا عن النتيـجة , مثل سيده , بدا منـشغلا بالزكام القاتـل , ارتد إلى الخلف بسرعة جنونية, كانت عطسة*السي عبد السلام*حادة , نصحنا بعدم كتابة تلك العريضة , لأنها ستكون السلاح الذي يبطش به في وجه بعض العمال من بقايا المجلس السابق , كان يتكلم بصوت خافت ينم عن خوف دفين , ولم يشعر الشاب بالارتياح , إلا بعدما أفرغ ما في جعبته , قال بأن أغلب العمال مؤقتون , و بأن مناصبهم موضوع مزايدات بين الرئيس وحواريه, فقد بلغت الرشوة المطلوبة للتعيين في مهمة" زبال " أكثر من ثلاثة ملايين , بعد الإدلاء بشهادة معطل جامعي ... , نظرنا إلى بعضنا البعض , والخطو يأخذنا إلى البهو المنفتح على نافورة جميلة تتعالى خيوط الماء وسطها بأشكال حلزونية... تمنيت لو أننا لم ندخل مكتب الرئيس بالمرة .... وتذكرت لقاءنا الأول مع رئيس مصلحة النظافة البلدية , لعله هو الآخر , من المغضوب عليهم في هذا المجلس الجديد ... للإشارة فقط , أغلب أعضاء هذا المجلس , معارف تاريخ نقابي وسياسي في المدينة , كانوا يأكلون ويمشون في الأسواق , ثم جاءت هذه الانتخابات الماردة , فحولت الصغير إلى كبير , والجاهل إلى عالم , والمتدين إلى فقيه , أما من ظل العمر كله يسكن في الأطراف , يركب إذا ركب دراجة , فقد صار يعرف كيف يقتعد سيارات المجلس من الخلف , يشيعه الحواري بالانحناء كالإمام , وهو يلقي بالتحية من فوق , فلا يتحركون إلا إذا غابت الصفيحة الحمراء , لماذا كتب حرف الجيم بالحمر ؟ قال *السي عبد السلام* :
- ج تعني جابها الله , لكن إلى متى ؟
محمد المهدي السقال
المغرب / القنيطرة
- Commentaires textes : Écrire
ممار 1587;ة النق 1575;با& #1578; للإض 1585;اب : مـلـ 1581;ـق
ملحق حول :
المدخل الذي حرك الانفعال بين الحقيقة والخيال , لموضوع :
قراءة في عنوان مقالة :
ممارسة النقابات للإضراب
تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *1
للأستاذ محمد المعزوز
الباحث في الأنتربولوجيا السياسية
موقف شخصي أم استنتاج علمي !!!؟؟
محمد المهدي السقال
********
لست أدري فيما إذا كان الأستاذ المعزوز, قد أنجز بحثا أكاديميا حول النقابات من موقع تخصصه كباحث في الأنتربولوجيا السياسية , حتى يمكن الاستـئـناس بـمسـتـنـتجاته في التعاطي مع الشأن النقابي ...
ولست أعرف للأستاذ الباحث , حضورا على الساحة الفكرية , كطرف ينظر لأطروحات يعـتـقـدها أو يـقـتـنع بفاعـليتها في إعادة بناء الحياة المعرفية والفكرية , ذات الصلة بالموضوع التربوي ....
بل لم أعرف للأستاذ توجها يذكر به في السجال الثقافي والسياسي , في خضم السؤال عن المشروع المجتمعي , سواء قبل أو بعد
إرهاصات التحول نحو ما يسمى بالمجتمع الديمقراطي الحداثي ....
***
قال صاحبي :
إنما أغمطت الرجل حقه , بنفي حضوره كباحث ومثقف و مترجم و مبدع , علما بأنه دكتور ومسرحي , بالإضافة إلى مواقع احتلها – عفوا شغلها – كنائب لوزير التربية الوطنية , قبل وصوله إلى سدة إدارة أكاديميةٍ بحجم دكالة .
ولعل صاحبي قد نسي أو تناسى لغاية في نفس يعقوب , ما نجح فيه الرجل , حين بلغ عضوية المكتب السياسي في حزب منشق, أو حين أفلح بالإنزال في الوصول إلى موقع كاتب أول لفرع اتحاد الكتاب بالقنيطرة .
قلت لصاحبي مقتبسا آية من القرآن :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ "
وكنت مستعدا للاستمرار في السكوت , لولا إصرار صاحبي على الدخول في التفاصيل , تبريرا لما وجده في مدخل قراءتي, انتقاصا من قيمة الرجل وجهلا أو تجاهلا لمكانته .
أما بعد :
فلست ممن يهتمون بالنياشين التي تعلق على الصدور بالولاء أو بالبراء ,
ولست ممن يتهيبون في الإنكار , حين يتعلق الأمر بمساحيق لا تلبث أن تتلاشى مع سطوع الشمس , فتترك خلفها آثارا شوهاء ,
بل لست ممن يضعون أيديهم على زناد بارد , حين يحتد السجال حول البحث عن شكل من أشكال الحقيقة ,
قلت لصاحبي :
لماذا تريد أن أكون نماما في مزاد القيل والقال ؟
ثمة أشياء لا يمكن أن تظل محجوبة بدائرة الغربال ,
لماذا لا تبحث عن مظاهر تجليات وجود الرجل , من خلال أقواله فيما كتب , قبل أفعاله فيما أنجز ؟
وحتى لا ينزعج صاحبي مما سعيت فيه إلى التلميح دون التصريح , مكتفيا بالإيماء والإيحاء , عبرت له عن اعترافي بالرجل كمسرحي بامتياز , يحسن تأليف النص دون إحسان تمثيله , بل عبرت له عن إعجابي بصورة وجه الرجل في شاشة التلفزيون , لأنها تكون أكثر لمعانا بالأضواء الكاشفة .
وسكت صاحبي كأنه قد أخذ في الربط بين جزئيات و كليات , ثم التمس مني التوقف عن التفصيل , وهو يقول في نفسه :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ "
****
محمد المهدي السقال
المدخل الذي حرك الانفعال بين الحقيقة والخيال , لموضوع :
قراءة في عنوان مقالة :
ممارسة النقابات للإضراب
تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *1
للأستاذ محمد المعزوز
الباحث في الأنتربولوجيا السياسية
موقف شخصي أم استنتاج علمي !!!؟؟
محمد المهدي السقال
********
لست أدري فيما إذا كان الأستاذ المعزوز, قد أنجز بحثا أكاديميا حول النقابات من موقع تخصصه كباحث في الأنتربولوجيا السياسية , حتى يمكن الاستـئـناس بـمسـتـنـتجاته في التعاطي مع الشأن النقابي ...
ولست أعرف للأستاذ الباحث , حضورا على الساحة الفكرية , كطرف ينظر لأطروحات يعـتـقـدها أو يـقـتـنع بفاعـليتها في إعادة بناء الحياة المعرفية والفكرية , ذات الصلة بالموضوع التربوي ....
بل لم أعرف للأستاذ توجها يذكر به في السجال الثقافي والسياسي , في خضم السؤال عن المشروع المجتمعي , سواء قبل أو بعد
إرهاصات التحول نحو ما يسمى بالمجتمع الديمقراطي الحداثي ....
***
قال صاحبي :
إنما أغمطت الرجل حقه , بنفي حضوره كباحث ومثقف و مترجم و مبدع , علما بأنه دكتور ومسرحي , بالإضافة إلى مواقع احتلها – عفوا شغلها – كنائب لوزير التربية الوطنية , قبل وصوله إلى سدة إدارة أكاديميةٍ بحجم دكالة .
ولعل صاحبي قد نسي أو تناسى لغاية في نفس يعقوب , ما نجح فيه الرجل , حين بلغ عضوية المكتب السياسي في حزب منشق, أو حين أفلح بالإنزال في الوصول إلى موقع كاتب أول لفرع اتحاد الكتاب بالقنيطرة .
قلت لصاحبي مقتبسا آية من القرآن :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ "
وكنت مستعدا للاستمرار في السكوت , لولا إصرار صاحبي على الدخول في التفاصيل , تبريرا لما وجده في مدخل قراءتي, انتقاصا من قيمة الرجل وجهلا أو تجاهلا لمكانته .
أما بعد :
فلست ممن يهتمون بالنياشين التي تعلق على الصدور بالولاء أو بالبراء ,
ولست ممن يتهيبون في الإنكار , حين يتعلق الأمر بمساحيق لا تلبث أن تتلاشى مع سطوع الشمس , فتترك خلفها آثارا شوهاء ,
بل لست ممن يضعون أيديهم على زناد بارد , حين يحتد السجال حول البحث عن شكل من أشكال الحقيقة ,
قلت لصاحبي :
لماذا تريد أن أكون نماما في مزاد القيل والقال ؟
ثمة أشياء لا يمكن أن تظل محجوبة بدائرة الغربال ,
لماذا لا تبحث عن مظاهر تجليات وجود الرجل , من خلال أقواله فيما كتب , قبل أفعاله فيما أنجز ؟
وحتى لا ينزعج صاحبي مما سعيت فيه إلى التلميح دون التصريح , مكتفيا بالإيماء والإيحاء , عبرت له عن اعترافي بالرجل كمسرحي بامتياز , يحسن تأليف النص دون إحسان تمثيله , بل عبرت له عن إعجابي بصورة وجه الرجل في شاشة التلفزيون , لأنها تكون أكثر لمعانا بالأضواء الكاشفة .
وسكت صاحبي كأنه قد أخذ في الربط بين جزئيات و كليات , ثم التمس مني التوقف عن التفصيل , وهو يقول في نفسه :
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ "
****
محمد المهدي السقال
- Commentaires textes : Écrire
قراء 1577; في عنوا 1606; مقال 1577; :
قراءة في عنوان مقالة :
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *(1)
للأستاذ محمد المعزوز الباحث في الأنتربولوجيا السياسية
موقف شخصي أم استنتاج علمي !!!؟؟
محمد المهدي السقال
ملاحظة العنوان :
لست أدري فيما إذا كان الأستاذ المعزوز, قد أنجز بحثا أكاديميا حول النقابات من موقع تخصصه كباحث في الأنتربولوجيا السياسية , حتى يمكن الاستـئـناس بـمسـتـنـتجـاتـه في التعاطي مع الشأن النقابي ...
ولست أعرف للأستاذ الباحث , حضورا على الساحة الفكرية , كطرف ينظر لأطروحات يعـتـقـدها أو يـقـتـنع بفاعـليتها في إعادة بناء الحياة المعرفية والفكرية , ذات الصلة بالموضوع التربوي ....
بل لم أعرف للأستاذ توجها يذكر به في السجال الثقافي والسياسي , في خضم السؤال عن المشروع المجتمعي , سواء قبل أو بعد إرهاصات التحول نحو ما يسمى بالمجتمع الديمقراطي الحداثي ....
لكنني أعرف الأستاذ محمد المهزوز- عفوا- المعزوز, مسؤولا عن تسيير الإدارة التربوية والتعليمية , في إطار التنفيذ الوظيفي لأدوات أجرأة ميثاق التربية والتكوين , باعتباره نائبا عن الإدارة الوصية ....
وليس غريبا أن يكون الأستاذ مهتما بموضوع الإضرابات في الوسط التعليمي , بحكم معايشته للظاهرة و انشغاله بأسبابها وتبعاتها , ضمن التفكير في تجاوز ما يمكن أن يكون عائقا في وجه تمرير ما هو ملزم بتطبيقه ...
لكن الغريب , أن يشهر مقولاته حول مجال بالغ التعقيد , إن لم يكن عميق الحساسية , بالنظر لتأثيراته على مسار التبادل التواصلي , بين مختلف الفرقاء المعنيين بحيثيات فعل الإضراب ,لأن ممارسة النقابات للإضراب , أكبر من أن تحجـم في مفردات , أبعد ما تكون عن الحقل التربوي والتعليمي , خاصة إذا كانت تصدر عن أستاذ باحث في الأنتربولوجيا السياسية ... يفترض فيه أن يكون مهتما بحفريات الظواهر وتوصيفاتها العينية , قبل تولي إصدار أحكام قيمة , محكومة بالظرفي والذاتي .
كم تمنيت لو أنه عالج قضايا وظواهر في الحياة التعليمية بنيابته من موقع تخصصه , فربما أفاد واستفاد , وربما ساهم بالبحث الميداني , في حل كثير من المشكلات التي يعرفها الإقليم الغربي , ضمن سياق الاختلالات التي يعانيها التطبيق على أرض الواقع ....
و كم كنت أتمنى , لو أن الباحث في الأنتربولوجيا السياسية , يسمح لنفسه بالظهور في الناس , من خلال موقعه المهني تصريحا , كنائب لوزير التربية الوطنية , بعد استئذان السلطة الوصية عليه طبعا , لأن ما صدر عنه الباحث في تأليف خطابه , ليس بحثا ميدانيا , تتوفر فيه أبسط الشروط العلمية قبل الأكاديمية , بقدر ما هو موقف أملته ظروف المعاينة و المعايشة لمسارات احتجاجية في الوسط التعليمي بنيابته الإقليمية , يدل على ذلك , الطابع الانفعالي في تركيب العبارات , والميل إلى استباق إصدار أحكام تعميمية , تأخذ لبوس الاستنتاج العلمي تحت غطاء الصفة .
أما بعد :
فلست هنا بصدد التعليق على أطروحات المقالة , لأني أتركها لذوي الاختصاص , كي يفندوا ما بها من تخريجات انتربولوجية , إن لم تكن تقليعات إعلامية , وقد لا يجد المبتدئ في المجال النقابي , مهما كانت حساسيته , صعوبة في الرد عليه بأمثلة من الواقع المعيش , تنفي ما ذهب إليه من ادعاء , بأن * ممارسة النقابات للإضراب , تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * , خاصة إذا تم إدراج كتابة المقال الموجز من غير تكثيف , ضمن سياق التعبيرات الظرفية'(النص في الاصل استجواب صحفي مع الدكتور) , عن مواقف الخطاب المضاد , من الفعل النقابي على الساحة التعليمية , وهي في مجملها تؤسس لثقافة نقابية رسمية , يمكن من خلالها احتواء ما تبقى من شرارة الحضور النقابي الفاعل وطنيا , تحت أغطية شتى , منها البحث الانتربولوجي السياسي , والبحث منها براء .
وما سأقوم به , ليس أكثر من وقفة متأنية مع العنوان , من خلال تحليل مكوناته على أساس الخلفية المعجمية , وما تحيل عليه من إيحاءات , نربطها عادة بالتأسيس لفرضية القراءة , في التعامل مع النصوص في الصف التعليمي.
لكن لماذا هذا التعامل بالذات ؟ مع مقال :
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية *
بعد قراءة ما كتبه الأستاذ محمد المهزوز – عفوا – المعزوز , وجدت أن صاحبه قد استنفد القول المراد بالنص , في جملة العنوان الطويل , بألفاظ لا تربط بينها وحدة الدلالة , ناهيك عن أن تكون مرتبطة بالمضمون الذي راهن الكاتب على الإقناع به , لأن الحقول الدلالية التي ترتبط بها كل كلمة في العنوان , متنافرة من حيث مجال الاشتغال , بل يمكن الذهاب إلى أن الرابط بينها , لا يقوم إلا على الـتـمـحـل والقـسـر, باعتبار التباعد والخرق الذي يرفضه حتى المجاز, بين الإضراب والدكتاتورية مثلا... لأن الأمر لا يعدو أن يكون ضربا من الوجهين : إما أن استعمال الألفاظ عائد على الحقيقة بما هو متواضع عليه في الأصل اللغوي , والاحتكام في الفصل بين مدلولاتها إلى المعاجم بالضرورة لرفع الإبهام , و إما أن استعمال الألفاظ عائد على المجاز, وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في الأصل لعلاقة غير المشابهة , لأنه ينتقل إلى الاستعارة على التشبيه , وكلاهما محكومان في التعريف بالقرينة المانعة لفظا أو معنى .
ووجدت بعد القراءة الأولى أيضا , أن الموضوع المعالج في مقالة الأستاذ الباحث الأنتربولوجي في السياسة , قد أغـمـط حقه عرضا وتناولا وتحليلا , حين تم الاكتفاء فيه بالتلويح والتلميح , على طريقة : إياك أعني واسمعي يا جارة .... فلا عمق في التفكير ولا بعد في الدلالة , بل لا مقاربة تتوسل بالمنهج في الطرح والتحليل , وبدا لي جليا أن المقالة ستذهب أدراج الرياح , لأن المعنيين بالخطاب النقابي وحتى السياسي , لن يجدوا فيها رؤية جديدة أو بديلة , تغني الحوار و ترتفع به عن الذاتي المـنـاسـبـتـي , مما سيجعلها في النهاية عرضة للتلف والضياع , مثلما ما يحدث لبعض الكتابات التي يكون الداعي إليها تسرع ينتهي إلى التسطيح , إن لم يكن لغاية في نفس يعقوب ....
ثم كان السؤال عن مرجعية مفردات العنوان : * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية * , قبل التساؤل حول خلفية تركيبه اللغوي , في الذهن تفكيرا و رؤية , في اتجاه تكويـن الانطباع في النفس والعقل , بأن صاحب المقالة للأسف , لم يكلف نفسه عناء التقصي في المبنى اللغوي , بعدما لم يكلف نفسه عناء التحري في المعنى المستهدف بالإبلاغ .
وقد كانت العودة للمعاجم اللغوية و التاريخية ضرورية , للتحليل والتعليق , غير أن ضيق حيز النشر , لا يبدو مسعفا لتقديم الجرد المطول بالمصادر المستأنس بها كالقاموس ولسان العرب والخصائص والعين وتاج العروس والمصباح وغيرها , لذا سيتم الاقتصار على التنبيه و الإشارة إليها ضمن السياق .
الممارسة , ما يصدر من فعل عن الإنسان على سبيل الاتصال في الزمان والمكان , إما على سبيل القيام بالموكول إليه , وإما استجابة لرغبة ذاتية تنزع إليها النفس عن هوى أو اقتناع .... والممارسة من * مرس* بزيادة الألف للمفاعـلة ...... والممارسة إفرادا , على الوحدة والاتفاق, تلغي التنوع والتعدد فيها , كأنها واحدة في كل مجال .
جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي : مارسه ... عالجه و الممارسة .... المعالجة , و المـرس بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها.
لقد أضيفت الممارسة في العنوان للنقابات على أساس صدورها عنها بالفعل , بعد افتراض تحقق المعالجة والتجريب , مما يستدعي ضرورة التعريف بالمضاف إليه (النقابات) , وهي جمع للمؤنث السالم على القياس فيما مفرده على وزن فعالة (نقابة) من فعل نقب ... وكل المعاجم على مذهب الاتفاق , حول دلالة اللفظ اتصالا بالعلم والمعرفة والعقل والمشورة , قال سيبويه : النقابة بالكسر الاسم وبالفتح المصدر, وفي لسان العرب وفي القاموس المحيط : و نقب على القوم نقابة بالكسر فهو نقيب أي عريف و المنقب بالكسر والتخفيف , الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها
وعند الحربي في غريبه : والنقيبة النفس والعقل والمشورة ونفاذ الرأي ....وعند غيرهم إجماعا بالمتواتر في اللغة والاصطلاح : النقيب الأمير على القوم , وقد نقب نقابة , ونقب قومه ينقب نقابة , إذا كان نقيبا ,والنقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم.
معنى ذلك , أن المضاف إلى الممارسة بالفعل من النقابة مفردا وجمعا ,لا يفترض فيه بالدلالة اللغوية, إلا أن يكون عن معرفة أصلها العقل وسبيلها المشورة , عدا أن يكون النقيب فيها شاهد القوم وضمينهم... وينفي ذلك , ما ذهب إليه الأستاذ من ربط ممارسة النقابات بالدكتاتورية والعدوانية والظلامية , إلا أن يكون قد ربط بين المتنافر على الدلالة الواقعية بالخبر والمعاينة , وهو ما يمكن الوقوف عنده لاحقا , بعد الاستمرار في تحليل مكونات العنوان , قبل التسرع في الحكم على النية والقصد من التركيب اللغوي , بعد الخروج بمدلولاته عن الأصل في الاستعمال.
غير أن المعنى بإضافة الممارسة للنقابات , لا يستقيم بغير إسناد المصدر الذي ينوب عن الفعل , إلى ما يقع عليه مفعولا , وهو الإضراب.
الإضراب مصدر فعل *ضرب* مزيدا بالهمز , ليس من أجل التعدية باللازم ,لأنه لا يستقيم دلالة بغير المفعول بمختلف أنواعه , وإنما للانتقال بالحدث من مستواه المادي المرتبط بأداة خارجية , إلى الفعل المعنوي المرتبط في الإنجاز بالذهن على التغليب , إذ أنه في ثلاثيه متعلق بما يتم به تحقق الفعل الواقع على المفعول بوسيلة ما , فحين نقول : ضرب الشرطة المعتصمين , لا بد أن تكون هناك أداة لتحقق دلالة الفعل, كالعصي مثلا , بينما ينتقل نفس الفعل مزيدا , إلى الانجاز على أساس قدرة الاستعداد في النفس داخليا ...... لذلك دل المزيد بالهمز على الفعل المعنوي من قبيل : أضرب فلان عن هذا الأمر إضرابا , كف عنه , و أضرب عنه أي أعرض . والمضرب : المقيم في البيت , وأضرب الرجل في البيت : أقام . ومصدره على الإفعال قياسا , مفيد لنفس المعنى العائد على حركة أو حدث في النفس
و العقل: يقول الشاعر:
لَمَّا وَثِقْتُ بـأَنَّ مـالَكَ مالِـي أَصْبَحْتُ عن طَلَبِ المَعِيشةِ مُضْرِبا
والجملة السابقة : ( ممارسة النقابات للإضراب ) مبتدأ بحاجة إلى متعلق يتمم المعنى بالخبر , و يحدد طبيعة الممارسة الواقعة على الإضراب مفعولا به للمصدر , لأن حرف الجر زائد , على تقدير/ ممارسة النقابات الإضراب فتحا....
هذا المبتدأ الجملة الاسمية , لا تحيل دلالات مكوناته اللغوية مفردة ومجتمعة , على ما يخالف العقل في الفعل والمصدر, فالممارسة المعالجة , والرجل المرس بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها..... والنقابة من نقب فتحا على المصدرية, ترتبط بفاعلها الدال على الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها ... , و النقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم ...
أما الإضراب بمعنى الترك والكف والإعراض , فلا يكون إلا مما ير فضه العقل ويأباه .
غير أن البحث عن الخبر في العنوان , سيصرف القارئ عن كل معنى تؤول إليه مفردات المبتدأ , ليصلها بالجملة الفعلية على التحقيق والخبر : ( تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية ) .
أما * تعبر* بصيغة مضارع فعل * عبر* بالزيادة تشديدا , لتدل على صدور الفعل عن إرادة لها تجسيدها بما وسع الإنسان من اقتدار , فإنها تقبل التجاور مع السابق على الاشتراك الذهنـي , لأن المصادر المؤلفة للجملة الاسمية الأولى , تحيل على أفعال الذات في النفس , بما يتناسب مع تجاوز الاعتلال إلى العلاج ممارسة , والارتباط بالعلم و التجربة نقابة , والتعلق بالإعراض والامتناع إضرابا .
والزيادة بالتضعيف في فعل * عبر* , ليست زيادة لحاجة التعدي إلى المفعولية , لأن الفعل في ثلاثيه يقع على مفعول بالضرورة , إنما تدل على تخصص الفعل بما يتصل بالذهن والتفكير, ولعله بذلك , أوثق صلة بما يعن في النفس شعورا أو لاشعورا , كما يدل على ذلك, ارتباط المصدر* التعبير*بالرؤى والأحلام وما تؤول إليه من تأويلات وتفسيرات....وليس غريبا أن يتحول *عبر* , من الفعل المتعدي مجردا, إلى اللازم مزيدا , فلا يحتاج إلى ما يقع عليه فعل الفاعل مفعولا إلا بحرف الجر الزائد , ليؤول التعبير في النهاية إلى ما يتصل بالنفس على السجية والأصل في الطبع ...
والجملة الفعلية بالمضارع الدال على الحال والاستقبال , وفاعلها العائد إضمارا على الممارسة , خـبـر للجملة الاسمية الأولى , (ممارسة النقابات للإضراب تعبر) , سواء قدرنا التأويل على المصدر( تعبير) أو على اسم الفاعل (معبرة) تأنيثا.... والإخبار بحمولة ما يكون مادة للتعبير, من قبيل ممارسة النقابات للإضراب , ليس بالضرورة مما يصدق حمله على التحقيق , لأن الجملة الخبرية في النحو كما في البلاغة , تبقى محتملة للتصديق والتكذيب , بمعنى أن المتعلق الذي يقع عليه الفاعل لاحقا في الجملة , ( عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , لا يمكن أن يحمل إلا على التأرجح بالتخصيص دون الإطلاق على التعميم , أما إذا حاول القارئ الربط بين إفادة تلك الألفاظ لغويا , وما تفيده مدلولات الكلمات في جملة المبتدأ , فإنه سيجد في التركيب دفعا لقيد التناظر في العبارة , لأن ما تحيل عليه ( دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , من عنف وجبروت وطغيان على سبيل الإضرار بالآخر بغير حق , مخالف لما تحيل عليه (ممارسة النقابات للإضراب) , من فعل دال على الموقف الصادر عن استواء في الفكر والوجدان , بل سيجد القارئ نفسه مطالبا بالبحث عن علة الربط بينهما في العنوان , متسائلا عن كليته المؤسسة على التناقض مبنى ومعنى , وقد لا يخرج السؤال عن المصدر في الإخبار بأن : * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *, عن أحد الافتراضين , فإما أن يكون القول على التصريح بما أوصل إليه البحث والتقصي بالعلم والاختبار, و إما أن يكون القول على التلميح بما ترسب في النفس من فيض الانفعال والضيق بالعجز عن الفهم و التفهم , ناهيك عن الاقتدار على التحكم فيما تأخذه ممارسة الإضراب , من أبعاد الإعراض والكف , وتبعات الامتناع , بما هو رفض يهدد هيبة الممتنع عنه نصبا , قبل أن يزعزع سلطتـه ....
من هذين الافتراضين , تناسل التساؤل الملحق بالعنوان في هذا المقال , حول المصدر في حكم القيمة المخبر به على التحقيق بأن :* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * , هـل هـو موقف شخصي أم استنتاج علمي ؟
فإن كان المصدر رؤيـة الذات وعيا و وجدانا , فلن يكون مطبوعا بأكثر من الانفعال دفاعا بـرد الفعل على السلب , والوعي قد يكون زائفا تحكمه بلاوعي آليات التوهم صناعة , للاحتماء مما يكون هجوما بقوة الواقع , على ما لا يوجد إلا في الوهم قناعة ... لذلك , فالموقف الشخصي مصدرا , يثير الشفقة على صاحبه , كما تـثـيـر رقصة الحبل خوفا على الراقص فوقه , علما بأن عدم وقوع السقوط في الحال , لا يلغي إمكانيته في الاستقبال , وتزداد هوة الشفقة غورا , حين يكون القائل ممن يصفه أهله , بالكاتب الباحث في الانتربولوجيا السياسية , لأن ما انتهى إليه علمه , مناقض بالقلب لكل ما شهد به الفكر والواقع .. وإلا كيف يمكن القبول بأن * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * ؟!
أما إذا كان مصدر الكاتب استنتاجا علميا , أوصله إليه البحث والاستقصاء , فقد كـان من المفروض أن يكون مادة للتداول بلغة الفكر والعقل , لغة واصفة بما تستدعيه من ملاحظة وتحليل, وما تتطلبه من تجرد وموضوعية سندهـمـا الاحتجاج بالعرض والمقارنة , على قاعدة انتربولوجية * كلود ليفي شتراوس* , والحالة مع كاتب المقال غير ذلك , لأنه لم يبرر حكمه بما يشفع له تسرعه , بل لم يستند فيما ذهب إليه , لا إلى معرفة بالحقل الذي انتسب إليه , ولا إلى معايشة للظاهرة التي تناولها ... وهو بذلك , يثير إلى جانب الشفقة عليه , رغبة في تجاوز منطوقه المبني على التغـليط , تناسبا مع ركوب موجة العولمة , إن لم يكن في الأصل مبنيا على الغلط في التحصيل والخلل في التكوين .
هل يجب تذكير الكاتب الانتربولوجي , بأن الخلوص إلى أن * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * إنما هو من قبيل الباطل الذي أريد به النيل من حق ؟!
هل يجب التذكير على سبيل الاستئناس , بأن مثل هذه التعبيرات , إنما تصدر عن منطق الخطاب المضاد من حقل السياسة , لتطبيقها على حقل الاجتماع ؟!
أما بعد , فكم كان سيكون جميلا , لو أن باحثنا في الانتربولوجيا السياسية , الأستاذ محمد المعزوز, كفى نفسه شر القتال بغير سلاح , فـكـفانا بلية الإيهام بديلا عن الواقع , لأن ما خبرته الجماعة بالمكابدة من أجل انتزاع حقوقها , وهي ضمن الحلقة الضعـيـفة , ينفي أن تكون * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * كما جاء في المقال موضوع القراءة ...
ومن يدري , بعد تمرير مثل هذا الخطاب , أن يطلع علينا صاحبنا ذات صباح , بمقال يكون عنوانه:
* ممارسة المثقفين في تصديهم للإيهام بالواقع , تعبر عن استلاب وجودي أسطوري *
محمد المهدي السقال
المغرب 20/02/2006
************************
(1) الأحداث المغربية / العدد :2562 / 5 فبراير 2006
ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية
محمد المعزوز الباحث في الانتربولوجيا السياسية
(2) بعثت به إلى نفس الصفحة التي نشرت الحوار , لكنها لم تنشره بعد أكثر من شهرين
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *(1)
للأستاذ محمد المعزوز الباحث في الأنتربولوجيا السياسية
موقف شخصي أم استنتاج علمي !!!؟؟
محمد المهدي السقال
ملاحظة العنوان :
لست أدري فيما إذا كان الأستاذ المعزوز, قد أنجز بحثا أكاديميا حول النقابات من موقع تخصصه كباحث في الأنتربولوجيا السياسية , حتى يمكن الاستـئـناس بـمسـتـنـتجـاتـه في التعاطي مع الشأن النقابي ...
ولست أعرف للأستاذ الباحث , حضورا على الساحة الفكرية , كطرف ينظر لأطروحات يعـتـقـدها أو يـقـتـنع بفاعـليتها في إعادة بناء الحياة المعرفية والفكرية , ذات الصلة بالموضوع التربوي ....
بل لم أعرف للأستاذ توجها يذكر به في السجال الثقافي والسياسي , في خضم السؤال عن المشروع المجتمعي , سواء قبل أو بعد إرهاصات التحول نحو ما يسمى بالمجتمع الديمقراطي الحداثي ....
لكنني أعرف الأستاذ محمد المهزوز- عفوا- المعزوز, مسؤولا عن تسيير الإدارة التربوية والتعليمية , في إطار التنفيذ الوظيفي لأدوات أجرأة ميثاق التربية والتكوين , باعتباره نائبا عن الإدارة الوصية ....
وليس غريبا أن يكون الأستاذ مهتما بموضوع الإضرابات في الوسط التعليمي , بحكم معايشته للظاهرة و انشغاله بأسبابها وتبعاتها , ضمن التفكير في تجاوز ما يمكن أن يكون عائقا في وجه تمرير ما هو ملزم بتطبيقه ...
لكن الغريب , أن يشهر مقولاته حول مجال بالغ التعقيد , إن لم يكن عميق الحساسية , بالنظر لتأثيراته على مسار التبادل التواصلي , بين مختلف الفرقاء المعنيين بحيثيات فعل الإضراب ,لأن ممارسة النقابات للإضراب , أكبر من أن تحجـم في مفردات , أبعد ما تكون عن الحقل التربوي والتعليمي , خاصة إذا كانت تصدر عن أستاذ باحث في الأنتربولوجيا السياسية ... يفترض فيه أن يكون مهتما بحفريات الظواهر وتوصيفاتها العينية , قبل تولي إصدار أحكام قيمة , محكومة بالظرفي والذاتي .
كم تمنيت لو أنه عالج قضايا وظواهر في الحياة التعليمية بنيابته من موقع تخصصه , فربما أفاد واستفاد , وربما ساهم بالبحث الميداني , في حل كثير من المشكلات التي يعرفها الإقليم الغربي , ضمن سياق الاختلالات التي يعانيها التطبيق على أرض الواقع ....
و كم كنت أتمنى , لو أن الباحث في الأنتربولوجيا السياسية , يسمح لنفسه بالظهور في الناس , من خلال موقعه المهني تصريحا , كنائب لوزير التربية الوطنية , بعد استئذان السلطة الوصية عليه طبعا , لأن ما صدر عنه الباحث في تأليف خطابه , ليس بحثا ميدانيا , تتوفر فيه أبسط الشروط العلمية قبل الأكاديمية , بقدر ما هو موقف أملته ظروف المعاينة و المعايشة لمسارات احتجاجية في الوسط التعليمي بنيابته الإقليمية , يدل على ذلك , الطابع الانفعالي في تركيب العبارات , والميل إلى استباق إصدار أحكام تعميمية , تأخذ لبوس الاستنتاج العلمي تحت غطاء الصفة .
أما بعد :
فلست هنا بصدد التعليق على أطروحات المقالة , لأني أتركها لذوي الاختصاص , كي يفندوا ما بها من تخريجات انتربولوجية , إن لم تكن تقليعات إعلامية , وقد لا يجد المبتدئ في المجال النقابي , مهما كانت حساسيته , صعوبة في الرد عليه بأمثلة من الواقع المعيش , تنفي ما ذهب إليه من ادعاء , بأن * ممارسة النقابات للإضراب , تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * , خاصة إذا تم إدراج كتابة المقال الموجز من غير تكثيف , ضمن سياق التعبيرات الظرفية'(النص في الاصل استجواب صحفي مع الدكتور) , عن مواقف الخطاب المضاد , من الفعل النقابي على الساحة التعليمية , وهي في مجملها تؤسس لثقافة نقابية رسمية , يمكن من خلالها احتواء ما تبقى من شرارة الحضور النقابي الفاعل وطنيا , تحت أغطية شتى , منها البحث الانتربولوجي السياسي , والبحث منها براء .
وما سأقوم به , ليس أكثر من وقفة متأنية مع العنوان , من خلال تحليل مكوناته على أساس الخلفية المعجمية , وما تحيل عليه من إيحاءات , نربطها عادة بالتأسيس لفرضية القراءة , في التعامل مع النصوص في الصف التعليمي.
لكن لماذا هذا التعامل بالذات ؟ مع مقال :
* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية *
بعد قراءة ما كتبه الأستاذ محمد المهزوز – عفوا – المعزوز , وجدت أن صاحبه قد استنفد القول المراد بالنص , في جملة العنوان الطويل , بألفاظ لا تربط بينها وحدة الدلالة , ناهيك عن أن تكون مرتبطة بالمضمون الذي راهن الكاتب على الإقناع به , لأن الحقول الدلالية التي ترتبط بها كل كلمة في العنوان , متنافرة من حيث مجال الاشتغال , بل يمكن الذهاب إلى أن الرابط بينها , لا يقوم إلا على الـتـمـحـل والقـسـر, باعتبار التباعد والخرق الذي يرفضه حتى المجاز, بين الإضراب والدكتاتورية مثلا... لأن الأمر لا يعدو أن يكون ضربا من الوجهين : إما أن استعمال الألفاظ عائد على الحقيقة بما هو متواضع عليه في الأصل اللغوي , والاحتكام في الفصل بين مدلولاتها إلى المعاجم بالضرورة لرفع الإبهام , و إما أن استعمال الألفاظ عائد على المجاز, وهو استعمال اللفظ في غير ما وضع له في الأصل لعلاقة غير المشابهة , لأنه ينتقل إلى الاستعارة على التشبيه , وكلاهما محكومان في التعريف بالقرينة المانعة لفظا أو معنى .
ووجدت بعد القراءة الأولى أيضا , أن الموضوع المعالج في مقالة الأستاذ الباحث الأنتربولوجي في السياسة , قد أغـمـط حقه عرضا وتناولا وتحليلا , حين تم الاكتفاء فيه بالتلويح والتلميح , على طريقة : إياك أعني واسمعي يا جارة .... فلا عمق في التفكير ولا بعد في الدلالة , بل لا مقاربة تتوسل بالمنهج في الطرح والتحليل , وبدا لي جليا أن المقالة ستذهب أدراج الرياح , لأن المعنيين بالخطاب النقابي وحتى السياسي , لن يجدوا فيها رؤية جديدة أو بديلة , تغني الحوار و ترتفع به عن الذاتي المـنـاسـبـتـي , مما سيجعلها في النهاية عرضة للتلف والضياع , مثلما ما يحدث لبعض الكتابات التي يكون الداعي إليها تسرع ينتهي إلى التسطيح , إن لم يكن لغاية في نفس يعقوب ....
ثم كان السؤال عن مرجعية مفردات العنوان : * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية * , قبل التساؤل حول خلفية تركيبه اللغوي , في الذهن تفكيرا و رؤية , في اتجاه تكويـن الانطباع في النفس والعقل , بأن صاحب المقالة للأسف , لم يكلف نفسه عناء التقصي في المبنى اللغوي , بعدما لم يكلف نفسه عناء التحري في المعنى المستهدف بالإبلاغ .
وقد كانت العودة للمعاجم اللغوية و التاريخية ضرورية , للتحليل والتعليق , غير أن ضيق حيز النشر , لا يبدو مسعفا لتقديم الجرد المطول بالمصادر المستأنس بها كالقاموس ولسان العرب والخصائص والعين وتاج العروس والمصباح وغيرها , لذا سيتم الاقتصار على التنبيه و الإشارة إليها ضمن السياق .
الممارسة , ما يصدر من فعل عن الإنسان على سبيل الاتصال في الزمان والمكان , إما على سبيل القيام بالموكول إليه , وإما استجابة لرغبة ذاتية تنزع إليها النفس عن هوى أو اقتناع .... والممارسة من * مرس* بزيادة الألف للمفاعـلة ...... والممارسة إفرادا , على الوحدة والاتفاق, تلغي التنوع والتعدد فيها , كأنها واحدة في كل مجال .
جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي : مارسه ... عالجه و الممارسة .... المعالجة , و المـرس بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها.
لقد أضيفت الممارسة في العنوان للنقابات على أساس صدورها عنها بالفعل , بعد افتراض تحقق المعالجة والتجريب , مما يستدعي ضرورة التعريف بالمضاف إليه (النقابات) , وهي جمع للمؤنث السالم على القياس فيما مفرده على وزن فعالة (نقابة) من فعل نقب ... وكل المعاجم على مذهب الاتفاق , حول دلالة اللفظ اتصالا بالعلم والمعرفة والعقل والمشورة , قال سيبويه : النقابة بالكسر الاسم وبالفتح المصدر, وفي لسان العرب وفي القاموس المحيط : و نقب على القوم نقابة بالكسر فهو نقيب أي عريف و المنقب بالكسر والتخفيف , الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها
وعند الحربي في غريبه : والنقيبة النفس والعقل والمشورة ونفاذ الرأي ....وعند غيرهم إجماعا بالمتواتر في اللغة والاصطلاح : النقيب الأمير على القوم , وقد نقب نقابة , ونقب قومه ينقب نقابة , إذا كان نقيبا ,والنقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم.
معنى ذلك , أن المضاف إلى الممارسة بالفعل من النقابة مفردا وجمعا ,لا يفترض فيه بالدلالة اللغوية, إلا أن يكون عن معرفة أصلها العقل وسبيلها المشورة , عدا أن يكون النقيب فيها شاهد القوم وضمينهم... وينفي ذلك , ما ذهب إليه الأستاذ من ربط ممارسة النقابات بالدكتاتورية والعدوانية والظلامية , إلا أن يكون قد ربط بين المتنافر على الدلالة الواقعية بالخبر والمعاينة , وهو ما يمكن الوقوف عنده لاحقا , بعد الاستمرار في تحليل مكونات العنوان , قبل التسرع في الحكم على النية والقصد من التركيب اللغوي , بعد الخروج بمدلولاته عن الأصل في الاستعمال.
غير أن المعنى بإضافة الممارسة للنقابات , لا يستقيم بغير إسناد المصدر الذي ينوب عن الفعل , إلى ما يقع عليه مفعولا , وهو الإضراب.
الإضراب مصدر فعل *ضرب* مزيدا بالهمز , ليس من أجل التعدية باللازم ,لأنه لا يستقيم دلالة بغير المفعول بمختلف أنواعه , وإنما للانتقال بالحدث من مستواه المادي المرتبط بأداة خارجية , إلى الفعل المعنوي المرتبط في الإنجاز بالذهن على التغليب , إذ أنه في ثلاثيه متعلق بما يتم به تحقق الفعل الواقع على المفعول بوسيلة ما , فحين نقول : ضرب الشرطة المعتصمين , لا بد أن تكون هناك أداة لتحقق دلالة الفعل, كالعصي مثلا , بينما ينتقل نفس الفعل مزيدا , إلى الانجاز على أساس قدرة الاستعداد في النفس داخليا ...... لذلك دل المزيد بالهمز على الفعل المعنوي من قبيل : أضرب فلان عن هذا الأمر إضرابا , كف عنه , و أضرب عنه أي أعرض . والمضرب : المقيم في البيت , وأضرب الرجل في البيت : أقام . ومصدره على الإفعال قياسا , مفيد لنفس المعنى العائد على حركة أو حدث في النفس
و العقل: يقول الشاعر:
لَمَّا وَثِقْتُ بـأَنَّ مـالَكَ مالِـي أَصْبَحْتُ عن طَلَبِ المَعِيشةِ مُضْرِبا
والجملة السابقة : ( ممارسة النقابات للإضراب ) مبتدأ بحاجة إلى متعلق يتمم المعنى بالخبر , و يحدد طبيعة الممارسة الواقعة على الإضراب مفعولا به للمصدر , لأن حرف الجر زائد , على تقدير/ ممارسة النقابات الإضراب فتحا....
هذا المبتدأ الجملة الاسمية , لا تحيل دلالات مكوناته اللغوية مفردة ومجتمعة , على ما يخالف العقل في الفعل والمصدر, فالممارسة المعالجة , والرجل المرس بكسر الراء , الشديد الذي مارس الأمور وجربها..... والنقابة من نقب فتحا على المصدرية, ترتبط بفاعلها الدال على الرجل العالم بالأشياء الكثير البحث عنها ... , و النقيب شاهد القوم والنقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم ...
أما الإضراب بمعنى الترك والكف والإعراض , فلا يكون إلا مما ير فضه العقل ويأباه .
غير أن البحث عن الخبر في العنوان , سيصرف القارئ عن كل معنى تؤول إليه مفردات المبتدأ , ليصلها بالجملة الفعلية على التحقيق والخبر : ( تعبر عن دكتاتورية عدوانية ظلامية ) .
أما * تعبر* بصيغة مضارع فعل * عبر* بالزيادة تشديدا , لتدل على صدور الفعل عن إرادة لها تجسيدها بما وسع الإنسان من اقتدار , فإنها تقبل التجاور مع السابق على الاشتراك الذهنـي , لأن المصادر المؤلفة للجملة الاسمية الأولى , تحيل على أفعال الذات في النفس , بما يتناسب مع تجاوز الاعتلال إلى العلاج ممارسة , والارتباط بالعلم و التجربة نقابة , والتعلق بالإعراض والامتناع إضرابا .
والزيادة بالتضعيف في فعل * عبر* , ليست زيادة لحاجة التعدي إلى المفعولية , لأن الفعل في ثلاثيه يقع على مفعول بالضرورة , إنما تدل على تخصص الفعل بما يتصل بالذهن والتفكير, ولعله بذلك , أوثق صلة بما يعن في النفس شعورا أو لاشعورا , كما يدل على ذلك, ارتباط المصدر* التعبير*بالرؤى والأحلام وما تؤول إليه من تأويلات وتفسيرات....وليس غريبا أن يتحول *عبر* , من الفعل المتعدي مجردا, إلى اللازم مزيدا , فلا يحتاج إلى ما يقع عليه فعل الفاعل مفعولا إلا بحرف الجر الزائد , ليؤول التعبير في النهاية إلى ما يتصل بالنفس على السجية والأصل في الطبع ...
والجملة الفعلية بالمضارع الدال على الحال والاستقبال , وفاعلها العائد إضمارا على الممارسة , خـبـر للجملة الاسمية الأولى , (ممارسة النقابات للإضراب تعبر) , سواء قدرنا التأويل على المصدر( تعبير) أو على اسم الفاعل (معبرة) تأنيثا.... والإخبار بحمولة ما يكون مادة للتعبير, من قبيل ممارسة النقابات للإضراب , ليس بالضرورة مما يصدق حمله على التحقيق , لأن الجملة الخبرية في النحو كما في البلاغة , تبقى محتملة للتصديق والتكذيب , بمعنى أن المتعلق الذي يقع عليه الفاعل لاحقا في الجملة , ( عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , لا يمكن أن يحمل إلا على التأرجح بالتخصيص دون الإطلاق على التعميم , أما إذا حاول القارئ الربط بين إفادة تلك الألفاظ لغويا , وما تفيده مدلولات الكلمات في جملة المبتدأ , فإنه سيجد في التركيب دفعا لقيد التناظر في العبارة , لأن ما تحيل عليه ( دكتاتورية عدوانية و ظلامية ) , من عنف وجبروت وطغيان على سبيل الإضرار بالآخر بغير حق , مخالف لما تحيل عليه (ممارسة النقابات للإضراب) , من فعل دال على الموقف الصادر عن استواء في الفكر والوجدان , بل سيجد القارئ نفسه مطالبا بالبحث عن علة الربط بينهما في العنوان , متسائلا عن كليته المؤسسة على التناقض مبنى ومعنى , وقد لا يخرج السؤال عن المصدر في الإخبار بأن : * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية *, عن أحد الافتراضين , فإما أن يكون القول على التصريح بما أوصل إليه البحث والتقصي بالعلم والاختبار, و إما أن يكون القول على التلميح بما ترسب في النفس من فيض الانفعال والضيق بالعجز عن الفهم و التفهم , ناهيك عن الاقتدار على التحكم فيما تأخذه ممارسة الإضراب , من أبعاد الإعراض والكف , وتبعات الامتناع , بما هو رفض يهدد هيبة الممتنع عنه نصبا , قبل أن يزعزع سلطتـه ....
من هذين الافتراضين , تناسل التساؤل الملحق بالعنوان في هذا المقال , حول المصدر في حكم القيمة المخبر به على التحقيق بأن :* ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * , هـل هـو موقف شخصي أم استنتاج علمي ؟
فإن كان المصدر رؤيـة الذات وعيا و وجدانا , فلن يكون مطبوعا بأكثر من الانفعال دفاعا بـرد الفعل على السلب , والوعي قد يكون زائفا تحكمه بلاوعي آليات التوهم صناعة , للاحتماء مما يكون هجوما بقوة الواقع , على ما لا يوجد إلا في الوهم قناعة ... لذلك , فالموقف الشخصي مصدرا , يثير الشفقة على صاحبه , كما تـثـيـر رقصة الحبل خوفا على الراقص فوقه , علما بأن عدم وقوع السقوط في الحال , لا يلغي إمكانيته في الاستقبال , وتزداد هوة الشفقة غورا , حين يكون القائل ممن يصفه أهله , بالكاتب الباحث في الانتربولوجيا السياسية , لأن ما انتهى إليه علمه , مناقض بالقلب لكل ما شهد به الفكر والواقع .. وإلا كيف يمكن القبول بأن * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * ؟!
أما إذا كان مصدر الكاتب استنتاجا علميا , أوصله إليه البحث والاستقصاء , فقد كـان من المفروض أن يكون مادة للتداول بلغة الفكر والعقل , لغة واصفة بما تستدعيه من ملاحظة وتحليل, وما تتطلبه من تجرد وموضوعية سندهـمـا الاحتجاج بالعرض والمقارنة , على قاعدة انتربولوجية * كلود ليفي شتراوس* , والحالة مع كاتب المقال غير ذلك , لأنه لم يبرر حكمه بما يشفع له تسرعه , بل لم يستند فيما ذهب إليه , لا إلى معرفة بالحقل الذي انتسب إليه , ولا إلى معايشة للظاهرة التي تناولها ... وهو بذلك , يثير إلى جانب الشفقة عليه , رغبة في تجاوز منطوقه المبني على التغـليط , تناسبا مع ركوب موجة العولمة , إن لم يكن في الأصل مبنيا على الغلط في التحصيل والخلل في التكوين .
هل يجب تذكير الكاتب الانتربولوجي , بأن الخلوص إلى أن * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * إنما هو من قبيل الباطل الذي أريد به النيل من حق ؟!
هل يجب التذكير على سبيل الاستئناس , بأن مثل هذه التعبيرات , إنما تصدر عن منطق الخطاب المضاد من حقل السياسة , لتطبيقها على حقل الاجتماع ؟!
أما بعد , فكم كان سيكون جميلا , لو أن باحثنا في الانتربولوجيا السياسية , الأستاذ محمد المعزوز, كفى نفسه شر القتال بغير سلاح , فـكـفانا بلية الإيهام بديلا عن الواقع , لأن ما خبرته الجماعة بالمكابدة من أجل انتزاع حقوقها , وهي ضمن الحلقة الضعـيـفة , ينفي أن تكون * ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية * كما جاء في المقال موضوع القراءة ...
ومن يدري , بعد تمرير مثل هذا الخطاب , أن يطلع علينا صاحبنا ذات صباح , بمقال يكون عنوانه:
* ممارسة المثقفين في تصديهم للإيهام بالواقع , تعبر عن استلاب وجودي أسطوري *
محمد المهدي السقال
المغرب 20/02/2006
************************
(1) الأحداث المغربية / العدد :2562 / 5 فبراير 2006
ممارسة النقابات للإضراب تعبر عن دكتاتورية عدوانية و ظلامية
محمد المعزوز الباحث في الانتربولوجيا السياسية
(2) بعثت به إلى نفس الصفحة التي نشرت الحوار , لكنها لم تنشره بعد أكثر من شهرين
- Commentaires textes : Écrire
من الأص 1604; إلى القض 1610;ة
المسألة الأمازيغية
من الأصل إلى القضية
محمد المهدي السقال
بلا د * تامــزغـة * , أرض تـمـتـد في جغـرافـيـتـها إلى أعــمـاق أفــريقـــيا جـنـوبا , بـيـنــما تـنـفـتـح عـلى الـبـحريــن
الأطــلـسي والـمتــوســط شــرقــا وغــربـــا , بحـمـولـتـهـما الـتـاريـخـيــة.
ارتــبــط تــاريـخـها الحـضـاري بـنـشــاط سـاكــنـتـها , كـمجــتـمـــع إنـسـاني مـتـكامـــل الـبـنـيـان , لـغــويــا و
اجـتـماعـــيـا ,عــلى أسـاس الإحـساس بالــوحـدة في الأصـل , ضمـــن الامـتـداد الــزمـكـاني , كـخـصوصـيـة ذاتـيــة
تـطــبـع الـهــويــة و الـكيــنـونـة , وتـشكــــل الـوعــي الجـمعي بالـوجـود الـفـاعـــل , ضمــن الـنســيــج الإنساني .
فـي البـدء كانــت الأرض , وكـان الإنسان , ثـم كـانــت اللــــغـة , فـكانـت الــوحــدة الـجغــــرافـيــة قاعــدة الانـتـمـاء ,
والـولاء للجــماعــة , فــي نــواتـها الأولـــى , وخـلـفـيــة الـشـعــور بالـقــرابـــة في الـدم , باعـتـبـــارها مـحــرك تــاريـخ
تـلـك الجــمــاعــة .
لـكـن في الـبــدء أيضا , كـان التـطـور حـتـمـيــا ,إذ احــتـاج الــناس إلى مـعــرفـة ذاتــهــم , وحـجــم قـدرتـهـم عــلى
الـفـعـل في الـكــون , غـيـر أنـهــم ركــزوا عــلى كـشـف العــالـم في دواخـلـهــم , للانطــلاق في الـتـفـــتـح عــلى
المـحـيــط الخـارجي من حــولهــم .
لــيـست اللغـــــة الأمـازيغـــيـــة لغـــــة مـقـدسـة بمعـنــى التــقديــــس السمــاوي , فـما نطــقـها قـوم ادعـوا تـنـزيـل
أصـــواتـها أو كـلـماتــها أو بلاغـتــها , بـمـعــــزل عـن تــربة الأرض وأحــــوال المــنـاخ وتــفــاعـــل الحــاجـات إلى
الــتــواصل , لكنــها اكـتـسبـــت قـــوة وجـودها من تـجـارب المـعـايـشـة مع مـخـتـلـف تــحــولات واقـعــها في الـــزمان
والـمكـــان , فـــأصـبـحت بــذلــك الـــرابطة الأولى بـيــن الـنـاس ,تـجـســد أنـمــاط تـفــكــيــرهــم وتـعـبــر عــما يـعــتــمــل
فــي أعــماقـــهـم , مـن خلال تـفـاعـلاتـهـــم مـع محيــطــهم , سـواء في اتـجاه ذواتــهــم أو في اتـجاه عــلائــقــهـم
بالـعـالـم من حـولـهـم .
كانــت الـــكلمــة أرقــى أدوات التـواصــل الذهــنــي , بعـــد تـحـقــق الانـدمــاج عـبـر أدوات الاتـصـال الــماديـــة , مـن
الـتــراب إلى الــماء والـنـار , فانـصــهــرت المعـرفــــة بـها , و غـدت تــنـمـو رمـزيــتــها فـي الــوجــدان , لـتـأخــــذ
أشــكـالا تـعـبـيـريــة مـن صمــيــم الكـيــنـونـة الـذاتــيـة , في اتــجــاه بــلـورة ماهـيـة الهــويـــة الأمــازيـغــــيــــة .
يــصــد ق هــذا التـحـليـــل عــلى أكــثـــر من نمــوذج إنساني للـتـجـمعــات البــشــريــة , ذات العــراقـــة في الــوجـود
الـفـاعـل على الأرض , ولعـــل هـذا ما يمـيــــز خـصوصــية الــقــومــيــات التي ظــلت حاضــرة عــلى امتــداد التــاريخ
الإنـسـاني , ذلــك أنـها حـمـلت منـذ بدايــة تكــويـنــها بـذرة الاسـتمــراريــة في الـوجــود , ومهما أتـــت عليـها من
ظــروف , لـتــنـال من شـخـصيـتـها بالاحـتـواء , ومـا يمــكــن أن يـؤول إليه من محـــو أو إقـصاء , فإنـها تـبـقــى
محـــافـظــة عـلى الأصـل في ذلــك الـوجود , لتـــعـود بعـــد حين , قــد يطــــول أو يقــــصر , للانــبــعــاث مـن جــديــد .
غـيـر أن إلا يــمان بالبعـــث الأمــازيغــي , لا يجــب أن يحجــب عن العــيـن حـقـيـــقــة الـتـحــول واحـتـمالات آفـــاقـــه,
أو يـــدفـع إلى انغـــلاقــيـــة انعـــزالـية , تـرفض الآخـر, وتجهـــز عـلى الـذات بـسيـاجــات شائـكــة , تـمنــع الرؤيــا
للــمــتغــيــرات من حـولـها , يطــرح هـذا الكــلام ضــمـن سيــاق الجـــدل الـذي يــدور حـول أساليـب إعـادة
الاعــتــبـار, بـيـن داع إلى العـــودة المـطــلقـــة , وداع إلى الانـفتـــاح اللامـشـروط عـلى العــصــر, و إذا كـان لكــلٍّ , ما
يكــفــي من الحـجـج للاقـتـنـاع بتـفـسيــراتـه وتـبـريــراتــه , فان ثـمة خلا فــا تحــصَّـل مـن تعــقُّـد الاختــلاف ,
وأصبـح بالفعــل يهــدد الـتــوافـق حـــول صيـغـة الــمــشروع المجتمــعي الأمــازيــغــي , ضـمـن رؤيـة شمـولـيـة أكـثـر
اسـتـعـدادا للانـفـتـاح .
لــقـد تدخـلــت عـوامــل تحـكـمــها العــصـبــيــة غـيـر المـمـنـهـجـة , إما مــن موقــع الإحساس الـذاتي بالغـبــن , ومـا
راكـمـه من ممارســات سلبـيـة , وإما تحـت تأثـيـر الرغــبــة المــوضوعــية في التــحـلـل مـن هـيـمنـة التـوجـيـه , بعـد
ظهــور بـوادر إمـكـانـيـة التـصريـح بالــرأي والتعـبــيــر عن الاختــيــار, وهـو ما يعــني احـتـمــال التـعــرض للإغـراءات
أو الضغـوطات , بـطـرق مـتــوازية مع الـنـزوع الطبـيــعي نحـو تحقـيـــق الانبــعــاث الأمازيغــي .
وما يـخــشــاه الإنسان الأمــازيغـي الأصـل , هو أن تكــون الإيـديـولوجـيـة بـبـعـدها السيـاسي الضـيــق , رافـــدا
للتـــفكـيــر في سبـــل التـمـنـيـع ضـد استــمـرار التـهمـيــش و مكـنــنـة نــزع الهــــويــــة , ليــس رفـضا لـتـدخــل
السيـــاسي في التـحلـيـل , ولكــن خــوفـا من الوقـوع في الأسطــوري , كــذاكــرة مـرجـعـيـة في الـتعــاطــي مع
الواقــعـــي , وهو أمــر يـسـعــى إليه خـصــوم الحــركـة الأمــازيغــيــة , للـنـزوع بـهــا نحــو الانـفــلات و المزايدات .
*
*أحـيانا يميل الإنسان إلى التفكير بطريقة تخالف حتى أبسط أدوات الترابط المنطقي , كما هو متعارف عليه إنسانيا ,
وذلك في اتجاه الوصول إلى حقيقة نسبية يقبل بها , ومن ثم يقنع نفسه بنتائجها على أساس ما يمكن أن يتوفر لديه من
مسوغات عقلنتها .
محمد المهدي السقال
من الأصل إلى القضية
محمد المهدي السقال
بلا د * تامــزغـة * , أرض تـمـتـد في جغـرافـيـتـها إلى أعــمـاق أفــريقـــيا جـنـوبا , بـيـنــما تـنـفـتـح عـلى الـبـحريــن
الأطــلـسي والـمتــوســط شــرقــا وغــربـــا , بحـمـولـتـهـما الـتـاريـخـيــة.
ارتــبــط تــاريـخـها الحـضـاري بـنـشــاط سـاكــنـتـها , كـمجــتـمـــع إنـسـاني مـتـكامـــل الـبـنـيـان , لـغــويــا و
اجـتـماعـــيـا ,عــلى أسـاس الإحـساس بالــوحـدة في الأصـل , ضمـــن الامـتـداد الــزمـكـاني , كـخـصوصـيـة ذاتـيــة
تـطــبـع الـهــويــة و الـكيــنـونـة , وتـشكــــل الـوعــي الجـمعي بالـوجـود الـفـاعـــل , ضمــن الـنســيــج الإنساني .
فـي البـدء كانــت الأرض , وكـان الإنسان , ثـم كـانــت اللــــغـة , فـكانـت الــوحــدة الـجغــــرافـيــة قاعــدة الانـتـمـاء ,
والـولاء للجــماعــة , فــي نــواتـها الأولـــى , وخـلـفـيــة الـشـعــور بالـقــرابـــة في الـدم , باعـتـبـــارها مـحــرك تــاريـخ
تـلـك الجــمــاعــة .
لـكـن في الـبــدء أيضا , كـان التـطـور حـتـمـيــا ,إذ احــتـاج الــناس إلى مـعــرفـة ذاتــهــم , وحـجــم قـدرتـهـم عــلى
الـفـعـل في الـكــون , غـيـر أنـهــم ركــزوا عــلى كـشـف العــالـم في دواخـلـهــم , للانطــلاق في الـتـفـــتـح عــلى
المـحـيــط الخـارجي من حــولهــم .
لــيـست اللغـــــة الأمـازيغـــيـــة لغـــــة مـقـدسـة بمعـنــى التــقديــــس السمــاوي , فـما نطــقـها قـوم ادعـوا تـنـزيـل
أصـــواتـها أو كـلـماتــها أو بلاغـتــها , بـمـعــــزل عـن تــربة الأرض وأحــــوال المــنـاخ وتــفــاعـــل الحــاجـات إلى
الــتــواصل , لكنــها اكـتـسبـــت قـــوة وجـودها من تـجـارب المـعـايـشـة مع مـخـتـلـف تــحــولات واقـعــها في الـــزمان
والـمكـــان , فـــأصـبـحت بــذلــك الـــرابطة الأولى بـيــن الـنـاس ,تـجـســد أنـمــاط تـفــكــيــرهــم وتـعـبــر عــما يـعــتــمــل
فــي أعــماقـــهـم , مـن خلال تـفـاعـلاتـهـــم مـع محيــطــهم , سـواء في اتـجاه ذواتــهــم أو في اتـجاه عــلائــقــهـم
بالـعـالـم من حـولـهـم .
كانــت الـــكلمــة أرقــى أدوات التـواصــل الذهــنــي , بعـــد تـحـقــق الانـدمــاج عـبـر أدوات الاتـصـال الــماديـــة , مـن
الـتــراب إلى الــماء والـنـار , فانـصــهــرت المعـرفــــة بـها , و غـدت تــنـمـو رمـزيــتــها فـي الــوجــدان , لـتـأخــــذ
أشــكـالا تـعـبـيـريــة مـن صمــيــم الكـيــنـونـة الـذاتــيـة , في اتــجــاه بــلـورة ماهـيـة الهــويـــة الأمــازيـغــــيــــة .
يــصــد ق هــذا التـحـليـــل عــلى أكــثـــر من نمــوذج إنساني للـتـجـمعــات البــشــريــة , ذات العــراقـــة في الــوجـود
الـفـاعـل على الأرض , ولعـــل هـذا ما يمـيــــز خـصوصــية الــقــومــيــات التي ظــلت حاضــرة عــلى امتــداد التــاريخ
الإنـسـاني , ذلــك أنـها حـمـلت منـذ بدايــة تكــويـنــها بـذرة الاسـتمــراريــة في الـوجــود , ومهما أتـــت عليـها من
ظــروف , لـتــنـال من شـخـصيـتـها بالاحـتـواء , ومـا يمــكــن أن يـؤول إليه من محـــو أو إقـصاء , فإنـها تـبـقــى
محـــافـظــة عـلى الأصـل في ذلــك الـوجود , لتـــعـود بعـــد حين , قــد يطــــول أو يقــــصر , للانــبــعــاث مـن جــديــد .
غـيـر أن إلا يــمان بالبعـــث الأمــازيغــي , لا يجــب أن يحجــب عن العــيـن حـقـيـــقــة الـتـحــول واحـتـمالات آفـــاقـــه,
أو يـــدفـع إلى انغـــلاقــيـــة انعـــزالـية , تـرفض الآخـر, وتجهـــز عـلى الـذات بـسيـاجــات شائـكــة , تـمنــع الرؤيــا
للــمــتغــيــرات من حـولـها , يطــرح هـذا الكــلام ضــمـن سيــاق الجـــدل الـذي يــدور حـول أساليـب إعـادة
الاعــتــبـار, بـيـن داع إلى العـــودة المـطــلقـــة , وداع إلى الانـفتـــاح اللامـشـروط عـلى العــصــر, و إذا كـان لكــلٍّ , ما
يكــفــي من الحـجـج للاقـتـنـاع بتـفـسيــراتـه وتـبـريــراتــه , فان ثـمة خلا فــا تحــصَّـل مـن تعــقُّـد الاختــلاف ,
وأصبـح بالفعــل يهــدد الـتــوافـق حـــول صيـغـة الــمــشروع المجتمــعي الأمــازيــغــي , ضـمـن رؤيـة شمـولـيـة أكـثـر
اسـتـعـدادا للانـفـتـاح .
لــقـد تدخـلــت عـوامــل تحـكـمــها العــصـبــيــة غـيـر المـمـنـهـجـة , إما مــن موقــع الإحساس الـذاتي بالغـبــن , ومـا
راكـمـه من ممارســات سلبـيـة , وإما تحـت تأثـيـر الرغــبــة المــوضوعــية في التــحـلـل مـن هـيـمنـة التـوجـيـه , بعـد
ظهــور بـوادر إمـكـانـيـة التـصريـح بالــرأي والتعـبــيــر عن الاختــيــار, وهـو ما يعــني احـتـمــال التـعــرض للإغـراءات
أو الضغـوطات , بـطـرق مـتــوازية مع الـنـزوع الطبـيــعي نحـو تحقـيـــق الانبــعــاث الأمازيغــي .
وما يـخــشــاه الإنسان الأمــازيغـي الأصـل , هو أن تكــون الإيـديـولوجـيـة بـبـعـدها السيـاسي الضـيــق , رافـــدا
للتـــفكـيــر في سبـــل التـمـنـيـع ضـد استــمـرار التـهمـيــش و مكـنــنـة نــزع الهــــويــــة , ليــس رفـضا لـتـدخــل
السيـــاسي في التـحلـيـل , ولكــن خــوفـا من الوقـوع في الأسطــوري , كــذاكــرة مـرجـعـيـة في الـتعــاطــي مع
الواقــعـــي , وهو أمــر يـسـعــى إليه خـصــوم الحــركـة الأمــازيغــيــة , للـنـزوع بـهــا نحــو الانـفــلات و المزايدات .
*
*أحـيانا يميل الإنسان إلى التفكير بطريقة تخالف حتى أبسط أدوات الترابط المنطقي , كما هو متعارف عليه إنسانيا ,
وذلك في اتجاه الوصول إلى حقيقة نسبية يقبل بها , ومن ثم يقنع نفسه بنتائجها على أساس ما يمكن أن يتوفر لديه من
مسوغات عقلنتها .
محمد المهدي السقال
وجهة نظر
أعتقد أن محاولة البحث في الجذور ,
بالرغم من أهميتها التاريخية ,
يمكن أن تؤول إلى اختلافات غير قابلة علميا للتدقيق بشكل مقنع ,
وأستحضر باستمرار موضوع اللغة العربية ,
حين يطرح بحث أصولها القديمة , خارج مشرحة التاريخ اللغوي العام ,
لأن زوايا النظر ومرجعياتها تظل متحكمة في توجيه البحث .
ولك أن تتصور ما يمكن أن يقع من اختلاف حول جذور اللغة العربية ,
يمكن أن يصل أحيانا حد التصادم للأسف .
أعتقد أن محاولة البحث في الجذور ,
بالرغم من أهميتها التاريخية ,
يمكن أن تؤول إلى اختلافات غير قابلة علميا للتدقيق بشكل مقنع ,
وأستحضر باستمرار موضوع اللغة العربية ,
حين يطرح بحث أصولها القديمة , خارج مشرحة التاريخ اللغوي العام ,
لأن زوايا النظر ومرجعياتها تظل متحكمة في توجيه البحث .
ولك أن تتصور ما يمكن أن يقع من اختلاف حول جذور اللغة العربية ,
يمكن أن يصل أحيانا حد التصادم للأسف .
- Commentaires textes : Écrire
العـ 1583; العـ 1603;ـس& #1610;
المسألة الأمازيغية
العـد العـكـسي
إلى زمن غـير بعــيـد , لم يـكـن الـمـنـشغــل بالـشــأن الأمـازيغـي , قــادرا على التــصـريح جهــرا بالـمـشـروع الـمجـتــمـعـي الـبـديــل , الــمؤســس على الـحقائــق المــوضوعـيـــة للجـغــرافــيا والــتــاريــخ .
بــل لــم يكـــن مـمـكـنــا حتــى الــتــلمــيـح بالــحــق في الخـــصوصـيـة الــذاتــيــة , للــوجــود خارج دائـــرة الـنـظــام اللـغـــوي للــسلــطـة لــما يــشــكــلــه ذلــك من مـسـاس يــدنـــس الــمقـدس , فـي الـعـرف الـمــؤطــر بالـوعي الـزائــف , ويخــتــرق حـدود الـقـانـــون الـمـشـرع لآلــياتـه في مؤسـسة التـمثــيـل الأعــلـى لما يـسـمى بإرادة الأمة .
وقد دأب الباحــثــون علــى رد التــأخــيـر في بـلوغ مستـوى الـقـدرة على الجهــر , إلى عـامـلـين , أحدهما ذاتي , يتعـلــق بجـنيـنـية التـكــويــن الرؤيــوي للـمـشروع الأمـازيـغـي ,بعـد مخـاضات معـانـاة الإقصاء والتـهميش , على مدى قرون وقرون ..... بحيث لم تـتبــلور معــالـم الـشخــصـية الأمازيـغـيـة , كما يـتـصـورها دعـاتــها , إلا في العـقــديــن الأخــيـــريـن .
وثانيـهـما مــوضـوعي , يرتبـط بالـوضعـيـة الاستـثـنـائـيـة الـتي طـبعـت الحياة السـيـاسـية لعــشـرات الـسنــيـن , بما واكــبـها من حـصار ومـحـاصـرة ,لأي نـزوع نحـو الــبحـث عن الــذات , يسـتـمــد وجوده من جــذور هــويـتـه الـتـاريخــية .
غــير أن الـمـتـتبـع لمســار تطـور القـضيــة الأمــازيغــية , يلحــظ نوعـا من الانــفـراج في الـتـعــاطـي معـها , يـتـجلى ذلــك أساسا في الـقـبـول بـتـداول مفـردات خـطـابــها في بعــده السـياسـي .... وهـو ما يطرح أكـثـر مـن سـؤال حـول ظـروف هـذا الـتـحول ....
هل يتــعـلــق الأمــر بـالـمـنـاخ الانـفـتاحـي , الـمـؤطــر ضـمـن الـفـضاء الديـمـوقــراطـي الحـداثـي , بغــض النظـر عـن خـلـفـياتــه ودوافــعــه وأبعــاده , داخــليا وخارجــيا ؟
أم يتعــلـق بالـتـطـور النــوعــي الـذي يعـرفه الخـطاب الأمـازيـغــي , بانـتـقـالــه مـن التـعـبيـر عن تــفاعلات الــكــيــان الـنــفـسي , وما أفــرزتــه من أحـاســيس مـطبــوعـة بـمـرارة الغـبـن , إلى اتـخـاذ مواقـف تعــكـس الـوعي العـميــق , بإكراهات الـواقـع الـمـوضــوعي , فـأصـبـح أكــثـر مــيـلا لـمراعــاة الأحــوال والــنوازل , فـي تـعامـلــه مع الـقـضـية , باعـتـبـارها مـن قـبـيــل الإشكاليات الـمـعــقــدة .
والـخـلاصـة الـتـي يـقـف عنــدها الــبـاحـث فــي الــشــأن الأمـازيـغـي , رغــم حــمولـتـها الإيـجابـيـة, قـيـاسا مع حجــم الـمعانـاة الــتـاريخــيـة , تبــقـى قـابــلـة للــتـأويـلات , بالـنــظـر إلى حـيـثـياتـهـا الـظرفـيــة , وما يـمكــن أن تــؤول إليه الــتـوافــقـات الـداعـيــة إلى الـقــبــول بالــتــدرج , فـي تـفــعــيــل الإجراءات الــواعــدة بالخـروج من أزمــة اللا وجــود فـي الـنصوص الــرسـمـيـــة ........ ذلــك أن الـتـعـاطـي مـع الـمـسألــة الأمــازيـغـيـة , أخـــذ يعــرف نـوعــا مـن الـتـراجــع , تحــت غــطــاء ظــرفـيــة الــواقــع , ومــا تــعـيــشــه أحـداثــه مــن تـداعـيـات , سواء عــلى الـساحـة الــوطـنـيـة و الجـهـوية , أو عـلـى الســاحة الـدولــية والعــالمـيـة ..... وهــو أمـر لا يـثـيـر الخـــوف مــن الــمـصيــر الـمــمـكن الـوقــوع فـي أفــخـاخـه عـن حـسـن نــيـة , بـقــدر مـا يـثـيــر الـتـخــوف مـن عــواقــب بـعــض الــمـزالــق الــمـرصــودة , للـحـيــلولــة دون اسـتـمــرار دوران عــجـلــة الـتـاريخ.
- Commentaires textes : Écrire