blogit.fr: Blog multimédia 100% facile et gratuit

sekrinya

Blog multimédia 100% facile et gratuit

 

BLOGIT

POUR NE DIRE QUE CE QUI EST IMPOSSIBLE DE REDIRE AVANT QU ' IL SOIT TROP TARD

Blog dans la catégorie :
Littérature

 

Statistiques

 




Signaler un contenu illicite

 

sekrinya

يـد عـلـ&# 1609; زنــ&# 1575;د بــا&# 1585;د

قـصــة قـصـيـرة
يـد عـلـى زنــاد بــارد




لا يلوح في الأفق غير سحاب شبه أبيض ,
تخالطه ملاءات دخان يتحلل إلى التلاشى ,
أراه يتمايل بين تلابيب صحو فصل الصيف البارد ,
من قال هذا العام زين فهو كاذب ,
لا يمكن أن يكون إلا كسابقه أو لاحقه ,
دار لقمان ما زالت على حالها , بل أسوأ ,
البشائر المهلة على هوادج النخاسين زائفة ,
ها هي النيران تقترب ملتهبة في جذور القصب الأخضر ,
لا يبدو خلفها ما يدل على فاعل بعينه ,
خيالات متكومة حواشيها بين أحمر وأصفر,
النيران تقترب أكثر , تتشكل من ألسنتها فقاعات دخان ,
ومدت يدها تبسط كفيها ,
تكاد تلامس بهما صورة متدلية من السقف ,
* ترى ما لا نرى ,
* لذلك يسمونها زرقاء اليمامة ؟
* كيف لها أن تخترق حجبا دامسة في هذه الغرفة الضيقة ؟
رفعت صوتها قليلا , دون أن ترفع وجهها للسماء كما ألفنا أن نرى في جلسات العرافات الشعبية , كأني بها تسمع همسنا ,
* وأرى أبعد ,
هناك خلف السحاب كثافة آدمية ,
تبحث عن موقع قدم للإنزال على حافة النهر ,
لا أستطيع القول إنها عجمية أو عربية أو أمازيغية ,
لكنني أستطيع القول إنها بين مذكر ومؤنث ,
أو بين مذكر مؤنث و مؤنث مذكر,
ها هي تتسلل من بين عمق أشعة الشمس
الصيفية الباهتة ,
من أية جهة ترى خيوط الشمس ؟
وتملكتني حيرة من أمر هذه المرأة ,
تتحدث عن تفاصيل صورة لها ألف ملمح في الذاكرة ,
وتمنيتُ لو كنت أسجل ما تصفه هذه العرافة الجميلة ,
ثم أطرقتْ رأسها كعلم منكس بعد هزيمة ,
نمتْ إلى أذني تنهيدة حرى ,
لم أشأ أن أتأمل تصعيدها و تسفيلها ,
حذر الإمساك بي في حالة تلبس ,
صدرها ما يزال يهتز ,
أثارني شبه استواء مقدمة صدرها الملفوف تحت ثوب أزرق ,
أين نهداها ؟
كان رفيقي مشدوها يسبح في متاهة الانتظار ,
لم يحرك حتى رأسه للإيحاء بجواب ما ,
دون أن أقصد ,
وقعت عيني على جنبات استدارتين ,
بحجم تفاحتين لم تشبعا ماء في موسم جفاف قائظ ,
* عرافة في سنها , ظاهرة غير مألوفة ,
يحيط بالمقلة الشبه رمادية , بياض يظلل بؤبؤاً يميل إلى خضرة فاتحة , أسفل هلالين لم يعبث بهما طلي أو نتف كما تفعل جل النساء ,
آخر ما يمكن أن يتصوره الرائي لمحجريها ,
أن تكون الفتاة عمياء ,
لم أجرؤ على الاستمرار في التحقق من محيط ناظريها ,
نغزتـه من الخلف ,
احتكت سبابتي بالثوب فأحدثت ما يشبه الصفير ,
أحاول أن أوجه رؤيته إلى هيئتها ,
لعله مثلي تثيره فتنتها بالروح والجسد ,
هل نسي ما جئنا لأجله ؟
تبا لخالته ,
كيف أفلحت في إقناعه باللجوء إلى هذا المكان الغريب ؟
أوقرت في وعيه ,
أن الشوافة وحدها تعرف سارق الخاتم من البيت ,
وتبا لي قبلها وقبله ,
أسير خلفه منقادا كمحكوم بالإعدام ,
أحمل رجلي بيدي إلى جانبه من غير أدنى استفهام ,
نسيت أنني جئت في الأصل ,
لأسخر منه ومن هذه الترهات السخيفة ,
لم أسأله إن كان يعتقد في رؤية العرافات ,
كنت موقنا أننا بصدد لعبة ,
لم أعلق على اختيار خالته ,
وافقته على الاصطحاب حين أظهر استخفافه بخالته :
لو كان الخوخ يداوي كان يداوي راسه
سايرته قبل أن يكمل حكاية خالته والخاتم الذي سرق من البيت :
يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر,
* أرى امرأة فارعة , تسبقها بطن بنصف دائرة ,
لعلها حبلى في شهرها السابع ,
* مَنً في العائلة حبلى في شهرها السابع؟
* خالتي
والسباعي قد يعيش وقد يموت ,
مع أمه أو بدونها ,
* من سارق الخاتم ؟
كتمت رغبة عارمة في الابتسام أو الضحك ,
مهندس الإعلاميات يسأل العرافة عن سارق الخاتم من البيت ,
تتمدد خيوط دخان البخور فتكسو وجهها ,
عيوننا أصبحت أكثر انفتاحا ,
تماما كما يقع لنا عند ولوج قاعة السينما ,
تكون الظلمة مطبقة , ثم تبدأ الرؤية في الانجلاء شيئا فشيئا ,
التقت نظراتنا ,
تكشفت الخيالات عن امرأة في عز الورد ,
بينما لم نكن أمامها أكثر من صوت يتحرك في الغرفة ,
لا أرى غير مدى لامتداد السواد تتخلله خيوط ضوء بعيدة ,
وفتحت ذراعيها , كنسر يتأهب للانطلاق ,
تراخى الكمان إلى الإبطين ,
فبدت بشرة خالطتها صفرة القناديل المعلقة في زوايا قريبة من السقف ,
كانت تلمع منعكسة على الأساور السميكة ,
من ذهب حر خالص أو من نحاس مذهب حرامي ؟
بسطت كفيها للسماء المحاصرة بالجدار ,
لم تكن بأصابعها خواتم كعادة النساء , صفقت ثلاث مرات ,
وتحركت نحو القيام بقامتها المقدودة ,
* أرى ما لا ترون , وترون ما لا أرى ,
* ها الفلسفة بدأت ,
لا شك أنها سمعت مقالتي ,
كلمتي كانت مهموسة ,
خلف كتف صاحبي المسروق خاتمه من البيت ,
ألحت خالته بعد تجييش أمثلة كثيرة بحمولات من الخيال الشعبي ,
كلها تؤكد على صدقية الرؤية عند العرافة العمياء ,
ستحدد مكان وجود الخاتم بدقة ,
لم يبلغ قدرتها في التحديد غير بني إسرائيل ,
في تحديد مواقع
رؤوس الفتنة في تونس و فلسطين والعراق ولبنان ,
* خالتك غاوية سياسة ,
لو صدقت رؤيتها ,
لن نحتاج إلى طائرات أواكس ,
تستطلع ما يعده الشمال للجنوب في الكرة الأرضية ,
* لا تسخر ,
خذ حذرك من العاقبة ,
كيف أخاف ؟
حتى إسرائيل التي ظلت تدعي قدرتها على معرفة الجنب الذي ينام عليه الشيخ في لبنان ,
انكشف عنها الغطاء ,
وصارت أضحوكة التاريخ المعاصر ,
شعرت بما يشبه رعشة باردة تسري في أوصالي ,
حين رفعت كفيها تبسطهما من جديد ,
وعيناي على أنوثتها الملونة بالرغبة في جسدها قبل روحها ,
انتظرت أن ترفع الجلسة ,
وتعود الفتاة إلى الواقع , كما يحدث في المسلسلات العربية ,
طال انتظاري ,
قبل أن تُضاء زوايا الغرفة بالكهرباء هذه المرة ,
جلستْ ,
الآن , سأتأمل التفاصيل ,
فجأة , أظلمت الغرفة , كأن التيار انقطع ,
والقناديل التي كانت مضيئة ,
انطفأت ذبالاتها كأنما صب عليها الماء ,
صوت تضخم مبحوحاً في الفضاء الأسود ,
لم يمهلني برهة تفكير في الحال ,
* الخاتم عاد إليك , هو في الطريق لا ينتظر غير إشارة منك ,
هل تقبل الرهان ؟
لم أحاول الفهم ما دمت غير معني بالسؤال ,
توجهت إلي ثانية وثالثة ,
* الخاتم كالحق , يمكن أن يسرق من صاحبه , لكنه حتما يعود إليه ,
نكست بصري المشدود إلى الصوت ,
هزني الحديث عن الحق ,
تذكرت قولة الحق الذي يؤخذ ولا يعطى ,
وتذكرت الحق الذي في أفواه البنادق ,
أنستني الجنية ملاحة بشرتها ,
صغراستدارة نهديها ,
خضرة باردة كانت إلى حين تفيض من عينيها ,
* الخاتم عاد إليك , فهل تقبل الرهان ؟
* من سرقه ؟
* ولماذا لا تقول إنكم الذين أضعتموه ؟
* من السارق ؟ هذا ما جئنا من أجله ,
تسرب بداخلي انزعاج من حلكة الظلام ,
يسأل صاحبي عن سارق خاتمه ,
وتكرر عليه نفس السؤال ,
* ستعرفه في الحال ,
لكنك لن تستطيع أكثر من استرداده ,
لن تستطيع مقاضاته , أو محاسبته ,
ناهيك عن متابعتك له في الدنيا قبل الآخرة ,
سيقر لك بأنه سرقك ,
وسيشهد العالم على أنه إذا أخطأ في حقك , فإنه لم يرتكب جناية ,
سيعترف أمام عدول السلطان ,
بحقك في التعويض عما سلبه من أصبعك ,
الخاتم عاد إليك , فهل تقبل الرهان ؟
* السرقة تستوجب العقاب , وحد السارق قطع اليد ,
تخيلت لحظة أنني سأفحمها بما أحفظ من دروس الحدود ,
و تخيلت أنني أتابع حلقة من مسلسل الجلسات إياها ,
الهيئة بصفة الهيئة ,
والموضوع حق أريد به باطل ,
الإنساف ,
منصة يستطيل فيها بعض ضحايا سنوات بعنوان الرصاص ,
الإرسال على الهواء ,
إخراج محكم لمسرح الكراكيز في عرس لوركا الدموي ,
المكروفونات وقنينات المياه المعدية ,
المنظمون ينشطون الحلقة أمام جمهور واع و مسؤول ,
عروض ,
أسئلة ,
لا أجوبة ,
حين تتجه أضواء الكاميرات إلى الحضور ,
تُرى أجساد تتحرك للاستواء وتعديل الوضع المتعب ,
من سيظهر على الشاشة أكثر ,
* الخاتم عاد إليك , السارق سيعترف , فهل تقبل الرهان ؟
* لا ,
قالها بصوت مرتفع أوقد النور في الأرجاء ,
* السرقة تستوجب العقاب , وهم بالقيام ,
تصورت أن تتدخل الفتاة العرافة ,
تبعته في القيام ,
مد يده إلى حجرها ليضع ما لا يمكن أن يكون إلا نقودا ,
لم تتحرك ,
نطق كلمة شكر وتوديع رقيقتين , وأشار علي بالانسحاب,
* ماذا ستقول لخالتك ؟
* رفضت المساومة ,
* لا أريد مقايضة الخاتم بالصمت على السارق ,
* والعرافة ؟
* ليست عرافة , إنها منهم ,
تلقفنا الدرب بارد الهواء ,
بالكاد نعاند وضوح الرؤية :
* ستقول عنك خالتك بأنك آخر الحمير ,
أو آخـر........

*****

محمد المهدي السقال

 

لعنة " بن لادن "

قصة قصيرة

لعنة " بن لادن "

ـ أولا , لماذا اجتمع القوم عندكم في" الخيمة " ؟ أنا لا تهمني تفاصيل وقوع الحادثة ؟
فغر فاه , فامتدت إلى شاربه شذرات أشبه بالزبد على وجه موجة تحمل نفايات البحر الراكد , بينما كان الكرسي المتحرك يتلولب يمنة ويسرة بمؤخرة السيد " القايد " ,
هل أجابه أحد على أسئلته الممطرة بغل دفين ؟
كنت منشغلا بحركته الطفولية وهو يترنح فوق الكرسي بتجاوب غريب , متناغما مع اهتزازت جسده , بل ذهب الخيال بالظنون أبعد مدى حول رجولته , رغم التجاعيد المبكرة تحت جفنيه .
علق بذهني السؤال عن سبب الاجتماع , لأن الناس في قريتي , لم يحتاجوا من قبل إلى ترخيص , كي يعودوا بعضهم البعض ,
وكأنه استعاد أنفاسه من رحلة تيه , عاد إلى نفس السؤال , لكن هذه المرة , بابتسامة تشي بالارتياح من شيء ما ,
لم يكن لأحدنا غير الجواب الذي رد به العم " سالم " ,
تدخل شيخ القيادة , بالصوت الجهوري والدفع باليد , متجها بقامته المربوعة نحو أبي :
ـ ألا تسمع ؟ سعادة القايد يسألك .
ـ لم يتبق شيء لم تقله الجماعة على لسان العم "سالم " ,
كل ما هناك , أن الأحباب تجمعوا فرحاً بشرائنا للصحن الرقمي ,
والحق أقول لك , تبًّا لهذا الولد العاق , كم نصحته بالتراجع عن فكرته ,
أنا كنت أسمع أ سيدي , أنه يفضح الرجل أمام زوجته , لكنني لم أتصور أن يفضحنا أمام المخزن ,
انتفض السيد " القايد " غير متمالك نفسه , دون أن تتزحزح مؤخرته كثيرا , رأيت أسنانه البيضاء يتوسطها سن ذهبي ,
ـ ألا تعرفون أن التجمعات ممنوعة ؟
ألقى عليَّ نظرة مشبوهة بزاوية حادة , افتعلتُ احتراما بطأطـأة رأسي , لا أدري هل تابع النظر إليَّ , بينما كان أبي يحاول الجواب , صوته متقطع يعكس هيبة الموقف بين يدي السيد القايد ,
ـ لكنه أصر على شرائه , , لم نتفرج بالأمس سوى على مسرحية مضحكة , الحقيقة , كدتنا نموت من الضحك الزعيم البهلوان
ـ ثم ؟
ـ تركت الأحباب أمام الشاشة , وذهبت إلى الحظيرة أطمئن على الشياه , كنت قد نسيت مدها بالعشب ,
ـ ثم ماذا ؟
ـ بعد ذلك , انسحبت إلى مرقدي المجاور , الحقيقة ,
أنا يا سيدي توجهت إلى فراشي عسى الجمع ينفض , كانت الساعة متأخرة ,
ـ هل سمعت خطاب القاعدة ؟
ـ أية قاعدة أسيدي ؟
حملق في شيخه المقدم ,
هل كان يريد التأكد من خبر حمله إليه , وجده منحني الرأس, لكن سرعان ما انطلق لسانه كأنه فك من عقاله , ثم أشار إليَّ ,
ـ هذا هو الابن الذي حدثتك عنه ,
وتحول السؤال إلى الاستفسار عن السبب في إدخال هذه الآفة إلى القرية , وهي التي مازالت تفتقر إلى أبسط شروط التمدن, لا قنوات مياه , لا قنوات صرف الخروج , ولا حتى كهرباء ,
كان مكتب السيد القائد مضيئا بمصابيح توزعت أركانه الأربعة , بينما لا يعرف السكان المحيطون به لونا للضوء بغير الشمس والقمر , أو فتائل الشمع المجلوب نهاية كل أسبوع من السوق الموسمي المجاور , حين فكرت في شراء بطارية مستعملة من سوق الخردة , لتغذية هذا التلفاز اللعين بطاقة تشغيله , كان الهم الأول مرتبطا بكيفية شحنه كل ثلاثة أيام , والقرية تبعد عن أقرب طريق رئيسة بعشر كيلومترات,
فاجأني السيد القائد بسؤال لم أعهده سوى في المسلسلات البوليسية ,
ـ وفيم كنتم تتحدثون بعد خطبة " بن لادن " ؟
تبادل أعمامي و أخوالي نظرات حادة , لم يكن لأحدهم علم مسبق بشخصية الرجل , غط أبي في نومه قبل انتهاء المسرحية , وتفرق الناس مباشرة بعد التسلي بحركات " عادل إمام " دون فهم كل ما أراد قوله , انبسطوا وضحكوا عليه , ثم رحل كل إلى حال سبيله , وحدي بقيت أمام الشاشة , كنت أنتظر التقرير الرياضي للقناة , حين قطعوا البرنامج , لنقل خطاب الزعيم ,
ـ زعيم عادل إمام ؟
ـ لا , زعيم القاعدة .
ـ إذن أنت تعرفه ؟
ـ نعم أسيدي .
ـ وماذا تعرف عنه ؟
تذكرت مصير الذين عرفوه أو تعرفوا عليه , وحضرت أمامي " غوانتانامو "
ـ ما هو معروف عنه , ضرب أميريكا في عقر دارها وفي وضح النهار .
ـ تبدو معجبا به ؟
لم ينتظر جوابا , ثم عقب سائل:
ـ كنت وحدك مع " بن لادن " ؟
تسمعت همس السيد القايد يسأل شيخه المخبر, عما إذا كنتُ قد وصلتُ إلى القرية بلحية ,
من سوء حظي , كنت قد حلقت ذقني ذلك الصباح , بعد أسبوعين من الإهمال , وصدق الشيخ المخبر بالإخبار عن الحال , فقد سبب انشغالي بالتفكير في شراء الصحن الرقمي, تأخري عن التخلص من لحيتي المشؤومة ,
قبضت أول أجري بعد ثمانية أشهر ,
أسرعت إلى " سوق سبتة " , وفي ذهني شيء واحد , أفرح أمي وأبي بهذه الشاشة العجيبة , كنت أحلم بإخراج أسرتي من سماع الإذاعة الوطنية الوحيدة عبر ذلك الجهاز البالي , لم أقل شيئا من ذلك للسيد القايد , فحين سأل عن سر اجتماع الأهل عندنا الليلة الماضية , لم يكن في ذهني أدنى جواب , الآن أستطيع الجواب ,
لكن علي أن أنتظر يومين , قبل التحاقه بعمله , وحيدا في هذه الزنزانة بقبو مكتبه المحترم .

******
محمد المهدي السقال
المغرب

 

افتض&# 1575;ح

افتضاح


يثور غاضباً في وجه سحنته المُتجعِّدة أمام المرآة , مشيراً بسباته المعقوفة إلى الجهة اليمنى من أنفه : أنا من أنا , أقف عاجزاً لحد الهزء بين حُثالة هؤلاء القرويين .
يَرتدُّ إليه صوته المنحبس في جوف محاصر بحموضة مقززة , ظلت زوجته تنصحه بقلع أسنانه :
هذه الرائحة الكريهة , لن تزول إلا بتغيير الفم المُسوَّس حتى ضرس العقل .
في المدرسة الابتدائية التي ودعها غير آسفٍ على طرده لغير رجعة , تلقى أن الكرامة والعزة والإباء وما جاورها , مرتبطة بهذا الأنف اللعين , تحسَّسه , لم يشعر بأدنى أسف على تضييعه لتلك القيم منذ تولَّى رئاسة المجلس البلدي ,
حتى الحزب الذي زكَّى ترشيحه باسم تلك الشعارات , لم يعُدْ يقبل العمل بها في الواقع , في أوَّل لقاءٍ بالزعيم القائد, لمس حرج الإخوان من التعرُّض لما كان يُسَمَّى إلى حين , بالمبادئ الحزبية .
غطَّتْ بدانته أمام اللوحة الزجاجية على ما خلفه , فلم يلمح وقوفها مشدوهةً تعاين الرجل مُكلِّما نفسه , للمرة الثانية , تضبطه في حالة تلبُّس , لن تحاول إيقاظه من غفْوته , سوف يتهمها بالتوهم :
ـ إنما يتهيأ لكِ أنني أُكَلِّم نفسي , انسحبتْ وهي تلعن هذه الانتخابات التي تُوَسِّخ بني آدم لهذه الدرجة ,
استعاد تثبيت هيأته أمام المرآة , مصطنعاً وقار الناس الكبار , تنبَّهَ إلى نداءِ زوجته للالتحاق بالعشاء , فانتابه شعور بالطمأنينة من عدم متابعتها لحواره الأطرش ,
مازال يتساءل عن رأيها الحقيقي فيه :
ماذا كان سيكون تعليقها لو حضرت تلك الجلسة المغلقة ؟ وهو يخطب بصوته الجهوري في زبانيته , علَّهُ يُحَمِّسهم لمساندته المطلقة , في قرار طرد السكان من ضاحية المدينة ,
استوقفتْهُ العبارةُ السحرية التي تعلَّمها من مُنَظِّري جماعته: إنما يتعلَّق الأمرُ من قبل و من بعد بالصَّالح العام , ابتسمَ , تذكَّر تبرير السيد الوزير , حين كان يدافعُ عن حقِّ استعمال الهراوات في وجه التلاميذ العُزَّل , باسم حفاظ " المخزن " على الأمن العام ,
تحسَّس قطرة دافئة من الخجل تتسلَّل عبر عموده الفقريّ إلى مؤخرته , لم يشَأ الاستمرار في رؤية تفاصيل وجهه ,
رغم التصفيقات التي أعقبتْ خطبته العصماء , ظلَّ شيء من حتَّى يؤرق وجدانه ,
ودَّ لو يلعن الحضور على منافقته , يعلمون كما يعلم , أن المسألة مُفْرغة من أي معنى لما يُصطلَحُ عليه بالنفع العام , كل ما في الأمر , أن الأرض التي أُلْحِقَتْ بالمدار الحضريّ , قد أصبحت ذات قيمة عقارية, وبقاء هؤلاء الأوباش عليها , يحُول دون صفقة القرن التي سيأكل منها " أهل العاصمة " قبله ,
تناديه زوجته للعشاء ثانية ,
لماذا لا تصطنع رِقَّةً و لِيناً في ندائها عليه , صوتُها الأجشُّ أبعد ما يكون عن نغمات كاتبته الخاصة , حين تُخيِّر سيادته بين القهوة والشاي , قبل الانسحاب تاركةً وراءها خيالاتِ امرأةٍ تثير الحسرة على ضياع الشباب ,
يتحاشى التقاء عينيهما , كلما طلع النهار ,
يفتضحُ بين يديْها , في كل مرَّة , يُعيد عليها أسطوانة الطبيب النفسيّ , إنما هو عجْز مؤقت , مَنْ يتحمل مسؤولية هؤلاء الرعاع , يكون مُعرضاً أكثر من غيره لمثل هذه الاضطرابات .
في البداية كانت تحاول تفهُّم أحواله , غير أنها باتتْ تشكو حظها من الحرمان , مثله , تغضب كلما نظرت إلى وجهها في المرآة , تقرأ تفاصيل الزمن الذي يسحب كل يوم من تحتها بساط الأمل في غد جديد , تُمسكُ بضفيرتيْها المُسدَلَتيْن على كتفيْن بارديْن , تمتعض , ثم تداعب شعرها الفاحم بلون فيض أنوثتها , يحسب غيرها العمر بالسنوات , وتعدُّه بالليالي ,
ألحَّتْ على رفْض الزواج منه بِعلَّة كِبَر سنِّه , لكنَّ خالَها ألحَّ أكثر على القبول ,
ليتهُ استفادَ من الصفقة كما ظنت سوءاً به ,
إلى الآن , لا يعلمُ أحد ببرودة الفراش في عزِّ الحرّ ,
يتلكأُ في الاستجابة لندائها , صارتْ تشفقُ عليهِ من وطْأةِ الإحساس بالعجز عن التقاءِ عيْنيْهِما ,
ـ ليتكِ تدْعين لي بالنجاح غداً في إقناع السكان بالرحيل , تصوَّري , لم ينفعْ معهم التهديدُ باستعمال القوة العمومية والخصوصية ,
هل نسِيَ أنها تعرف التفاصيل ؟
استقام في جلسته حول المائدة , سأل عن زيد وعن عمرو , كأنه يملأ فراغاتِ الصمت المعلَّق بينهما ,
تمنَّتْ لو أنه كان يُفكِّر فيها بقدر ما يفكر في تلك الأرض , يصدُّها بعنفٍ عن الاستمرار في الدفاع عن هؤلاء البسطاء, كلما فاتحته في الظلم الذي سيلحق بهم ,
ـ ستقولين مثلهم , لا يُعقل ترحيلُنا ثانية بدعوى اختراق الطريق السيَّار للتجمع السكاني بالضاحية , ألم يفرضوا علينا الارتحال عن أرضنا الفلاحية بدعوى إقامة السد العظيم ؟
قرَّبتْ إليه الصحن , نظر إلى تربُّع فخِذَي الحمامة التي أحضرها الخادم , استرق نظرة خاطِفة إليها , كانا يُفكِّران في شيءٍ واحد , هي الأخرى سمعتْ من جارتها كما سمع , بأن في الحمام ما يقوى ويعيد الفتوة ,
بسمل وحمد الله أنه الآن لا يرى وجهه في المرآة .

******
محمد المهدي السقال
المغرب

 

سـيـ&# 1600;د الـس&# 1600;ـا& #1583;ات

سـيــد الـســادات


لم أعرف أبي جديا في حكيه كما كان ذلك المساء ,
عهدته ساخرا من نوادر الحكام , سواء كانوا ممن ولدوا وفي أفواههم كراسي من ذهب ,
أو كانوا ممن جاؤوا , وفي أيديهم بنادق من أغصان الزيتون ,
عـاد إلى البيت مخمورا محمولا بين كتفين ,
يلهج بلسان متقطع ,
دلفت أمي إلى المطبخ , لم تعد تحتمل عنفه في وجهها ونحن حاضرون ,
كم تمنت أن يكبر أخي أحمد, ليمنع عنها ضربا مبرحا تختتم به مثل هذه السهرات ,
رأيتها كقطة مستكينة تتلصص من خلف الباب ,
لم يكبر أخي بعد ,
بقي أبي حيث ركنه صديقاه ,
لعله الليلة منهك أكثر ,
أشار إلي بيده ,
قفزت , كنت قاعدا جنبه قبل أن يرتد إليه طرفه ,
حضنني ,
قبلني ,
هل تعـرف من مات اليوم ؟
تماوجت كلماته بين سيل من لعاب لزج ….
من مات ؟
يسبق سؤالَها خيال يفضح ترددها بين لهفة الاستفسار و رهبة الاجتراء ,
لمحت في عيني أبي رغبة في رشقها كعادته بالنابي من اللفظ ,
ليس اليوم , ولكن في مثل هذا اليوم ,
مات رجلان ,
وساد صمت نعرف أنه الصمت الذي يسبق العاصفة ,
استوى في جلسته مؤذنا بافتعال الصحو ,
ثم نادى على الجميع ,
سأقرأ عليكم ما كتبت في الحانة قبل الثمالة ,
ظل أبي معروفا بين الندامى العتاق , بكونه إذا شرب كتب وإذا طرب عتب ,
لم يقرأ ,
اقرأ أنت ,
مد الورقة إلى أخي أحمد , وكان يكره منه أن يأتي كل ليلة على هذه الحال , رغم شفقته عليه .

هما رجلان في الذكورة جنسا , مع اختلاف في الوزن مقاما,
جمع بينهما الموت قتيلين ...
واحد شنقا , بعد صدور حكم باسم الأرض ,
وثان رميا بالرصاص , بعد صدور حكم باسم السماء ....
خرج الأول من عباءة التاريخ ,ينذر من يقول بغير حاكمية الخالق , وفي يده جذوة من النص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه........

بينما خرج الثاني – والله أعلم - من صورة الوهم كما زينها له الشيطان الأكبر ,
يبشر بحاكمية المخلوق , وفي يمناه عصا الصولجان , يفلق بها من يشاء , بغير ما أنزل الله من سلطان......
وكان سؤال الحاكمية.........

تمايل كالمزهو بما يحكي ,
حملق فينا بعينين ذابلتين ,
بدا كأنه يستأذننا في مواصلة قراءة ورقته ,
لمحت الخط عريضا كعادته حين يكتب خارج البيت ,
مازالت أمي تحتفظ ببعض مسوداته عن حرب العراق الأولى ,
قالت لأخي أحمد ,غير ما مرة , لو أنه عاش إلى الحرب الثانية , لكان سود علينا عيشنا أكثر مما هو أسود.

..... جمع بينهما قدر الموت في الدنيا , تنفيذا لمشيئة الإلاه, ولحكمة لا يعلمها إلا هو, مع فارق في ظاهر العلل والظروف.......

انتفض الأول لرعشة الإيمان ,
فسكنت أوصاله رغبة الفـناء فيما أحـب , لم يرهبه عدو في الله ,
مهما أوتي من الخيل والسلاح ,
ناهيك عن الإغراء بفيض الجاه والسلطان ,
بحيث لا يرى الحق إلا واحدا , هو المبتدأ وهو المنتهى , في هذه الدار والدار الآخرة...

بينما انتفخ الثاني مزهوا بالحكم في الأرض ,
يتسنم ظهور الناس باسم أغراضهم ومصالحهم ,مع مراعاة ما تقتضيه الأحوال والحسابات الظرفية ,
بحيث تعقل المداهنة, وتقبل الملاينة, دون احتساب المرجع والأصل , ودون اعتبارا لسند في تقديرا لحسم والفصل.....
لم يكن أبسط سامع بحاجة إلى أبسط حس , ليفهم تعاطف أبي مع الشيخ القتيل ,
فقد كان تنغيم الكلمات كافيا للإيحاء بما يستشعره من نشوة الحديث عن الفقيه , رغم أنه كان مفلسا في سوق التدين بامتياز ,
ظل شعاره جملة حفظها عن هيكل المسلم ,من كتابه في الإيمان والإسلام :
إننا لا نختلف في مسألة الإيمان , وإنما نختلف في أشكال التعبير عن هذا الإيمان ,
ثم يعقب بآية لم يحفظ غيرها :
لكم دينكم ولي ديني.

..... مات الأول مقتولا بالشنق بين أربعة جدران...
فدقت رقبته بحد الحبل , إسكاتا لمخرج الصوت ومصدر الكلمة ,
بعد حكم بالإعدام, أصدره القاضي باسم النظام , ومرجعه في ذلك تنزيل الحاكم بأمر الدنيا في شؤون البلاد العباد...........

هل كان لهوى في النفس ؟....

هل كان لاعتقاد حجب التعلق به رؤية ما دونه باطلا ؟..........

بينما مات الثاني رميا بالرصاص ,
يخترق صدره المحمل بالنيـاشيـن , وهو على منصة الاستعراض , بين حاشيته من النافذين باسمه ,
بعد فتوى بهدر دمه , أصدرتها الجماعة التي كفرها النظام .... ومرجعها النص قبل الاجتهاد , في قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.....

الأول دعا إلى حاكمية الله الواحد الأحد , لا يشاركه فيها إنس ولا جان........
ليكون الحكم لله في الدين والدنيا , باسمه تساس الأمور على يد خلفائه في الأرض......

أما الثاني ,
فقد دعا جهارا باسم التدين على طريقته ,
أن لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة......

والأول
رجل خبر الدنيا من موقع ولائه لاعتقاده الإسلامي , على هدي الأصول قبل حدوث الخلاف والاختلاف ..........

فسعى إلى وضع أسس المعالم التي تنير الطريق إلى الصراط المستقيم ,
معلنا عن تبنيها منهجا و وسيلة للتطبيق في الواقع , لا يخشى في الدعوة إليها لومة لائم , أو بطش حاكم……

أما الثاني ,
فرجل تقلد أمر الناس باسم السياسة , دون تولية عليهم بإمامة شرعية ......
فكان يزن في تصريف الأحوال بمكاييل الحال والوقت ,
يسنده في الحكم طابور الجيش من غير ولاء صريح أو بيعة إلا بالتبعية الوظيفية.............

وقد أدرك منذ البداية أن خطأ سلفه في تدبير الشأن الديني ,
إنما تمثل أصلا في عدم مراعاة موازين القوى , والمبالغة في التصريح بالعداء لخصوم السياسة من أهل الجماعات...............

وإذا كان الأول قد أودى به صدقه ,
من منطلق اليقين في الحق ,
حيث لا مجال للمزايدة فيه تحت أي غطاء أو تسمية , مادام الموت في سبيله شهادة.............

فإن الثاني قد أودى به تصرفه في تقدير النوازل والأحوال ,
بحيث يمكن تقديم ما حقه التأخير أو تأخير ما حقه التقديم , بمنطق الموائمة مع الظروف , ومراعاة التناسب مع المتغيرات...............

والناس اليوم ,
يذكرون الرجل الأول علما في التاريخ , حين يذكر العظماء الذين أخلصوا للإنسانية ,
دفاعا عن قناعة لها في العقل والروح , رسوخ الثابت المطلق.....

بينما يذكرون الثاني واحدا من آحاد الناس ,
مر من هنا بلا حس ولا خبر...........

أما الرجل الأول , فهو الفقيه العالم, سيد قطب.............

انطلق من ظلال القرآن , ليرسم نهج معالم في الطريق , فذاق التنكيل بطعم مرارة السجن , قبل أن يسدل عبد الناصر , ستار المسرحية ,
بإقرار حكم الإعدام , باسم الجمهورية............

أما الثاني ,
فهو الرئيس الحاكم , أنور السادات , اعتبر بسلفه , فوضع نفسه بين حاشيته , منزلة المؤمن الأول , لكنه نسي أو تناسى أن دم الفقيه , سيخرج من عباءة أحد أجناده.

قبل إرسال مقالاته للنشر في صحيفة الحزب , كان أبي يطلعنا على مكتوباته , لكنه لم يكن يسمح بالتدخل في التعبير أو التفكير ,
ليته تأنى قليلا ,
لم يقتله سوى اجتراؤه على السلطان , ظلت تردد أمي نفس الأسطوانة كلما ذكرته ,
ثم تستدرك , لكن الأعمار بيد الله .

*******

محمد المهدي السقال

القنيطرة /المغرب

 

حـكـ&# 1575;يـ& #1575;ت *عـجـ& #1610;ـل ـة الـك&# 1600;لـ& #1576;ـي*

حـكـايـات *عـجـيـلـة الـكـلـبـي*


الحكاية الأولى
************

.... ومـمـا رواه * النـسـناس بن حـرب *
فـي مـسـنـده غـيـر الـمـدرج ضـمـن الـصـحـاح مـن كـتـب الـتـاريـخ الـمـدرسـي ,
عـن * عــجــيـلـة الـكــلـبـي*, صـاحـب * الـرحـلـة الـبـهـيـة فـي الأرجـاء الـمـنســيــة * قـولــه:
نـزلـت أرضا لـبـني * سـحـت * من أحـواز جـنـوب الصحـراء ,
و يـكـنـى أهـلـها بالأوبـاش ,
أبـغــي مــلء الـقـربـة مــاء يـفــي بـمـا تـبـقـى مـن مـسـافــة ثـلاثـة أيــام ,
لـبـلـوغ مـشـارف ديــار * قــلـعـيـة بـنـي مـهـزوم*, مـن جـهـة الـبـحـر....
فإذا بـخـيـام داكـنـة تـلـوح فـي الأفــق الـمـغـبـر ,
كـأنـمـا فـت لـونها تـعـاقــب الفـصـول فـي الـسـنـوات الـعـجـاف , تـنـتـصب مـثـلـثـات مبعـثـرة في العـراء....
نـظـرت يمـيـن مدخل القرية ,
لـمـحـت أشـباه رجـال يـلـوحـون بالـعـمـائـم فـي الـفـضـاء ,
هـل يـشـيـرون إلـي ؟
دنـوت ,
فـإذا بـي أتـسـمــع مـا يـشـبـه الـبـكـاء , وقـد نـمــت للأذن حشرجات أقـرب إلى ندب النساء .
قـال عـجـيـلـة الـكـلـبـي :
تـعالت صرخات بإيقاع الـعـويـل في الفضاء ,
تـسـلـلـت بـداخـلـي رخـيـمة كـمـواويـل القـيان إذا سـكـرن فـي لـيـالــي الــصــيــف ...
أو تـرانـيـم الـغــوانـي إذا حضرن ليـلـة أمـيـر عائـد بالـنـصـر من حـرب سـفـهـاء *بـلاد الـسـيـبـة*.
لاحـت أمـامـي أجساد أشباه رجـال , ولم أكـن مـن قـبـل قـد سـمـعـت رجــالا يـبـكـون .
دنــوت أكـثــر ,
وجـدتـني بيـن الـعـشـيـرة في مأتـم , والـبـاكـون عـلـى مـقـربـة مـن الـفـتـحـة الـخـلـفـيـة للـخـيـمـة ....
بـيـنـما هـنـاك ,
نـســاء واقـفــات يـلـتـحـفـن بـيــاضـا ,
سـاكـنـات لا حـراك إلا فـي مـحـاجـرهـن الـمـلـتـمـعـة ....
حـمـدت الله في نـفـسي شـاكـرا مـهـيــئ الأسـبـاب ,
أطـمـئـن بـيـت الـداء عـلـى مـا يـمـكـن أن يـشـفـي حـرقـة الـجـوع مـن الـدواء....
قــال عـجـيـلـة الـكـلـبـي :
وددت لـو أتـعـرف هـويـة الفـقـيـد , ذكــر أم أنـثـى ؟
تـسـهـيـلا لـوصـل الـبـطـن بـمـا يـشـتـم مـن روائـــح الأطـعـمـة فـي الـجـوار ,
جـلـت بـبـصـري جـهـة كـديـة عـمـيـقـة النـتـوءات ,
رمـقـت كـومـة نـساء مـتـحـلـقـات خـلـف نـخـلــة , لا يـلـطـمـن وجـوهـا ولا يـضـربـن خــمـورا نـاصـعـة الـبـيـاض .
كــن ساكـنات تعــبـث الريـح الباردة بأهـدابهـن ...
و آثار الـخـريف مازالـت عالـقـة بالأغـصان ,
بـعـض الأوراق تـتـمايـل , كـأنـها تـتـمـنـع عـن التـسـاقـط , و خـلـفـهـا بـيـن الـقـرية والـبـحـر ,
تـعـلـو رؤوس أشـجـار تـسـامـق الأفـق المـنـحـنـي في شـكـل نـصـف دائــرة.....
وبـيـنما أنـا أسـائـل نـفـسـي عـن الـعـلـة فـي صـمـتـهـن وهـدوئـهـن ,
حـتـى لـيتـصورهـن الرائـي خـيـالات أجـسـام ملـفـوفـة في نـدف الثـلـج .....
فـإذا بـشـيـخ محـمـر العـينـيــن , كـجـمـرتـيـن يـسـابـق لـونـهـمـا سواد لحـيــتــه الــكـثــة ,
يـنـسـل من بين القـوم فـي اتـجـاهـي ,
مـهـمـهـمـا بـقـراءات أشبه بـالـورد الأخـيـر في طريـقــة الـزاويـة* البوعـبـيـديـة * .
قــال *الـنـسـنـاس بـن حـرب* تـعـلـيـقـا عـلى حـكـي عـجـيـلـة الـكـلـبـي ,
بـعــد عــودتـه غـيــر الـمـظـفـرة مـن رحـلـتـه الـشـقـيـة:
لـعـل الأمـر اخـتـلط عـلى عـجـيـلـة الـكـلـبـي ,
لأن *الـبوعبـيـديـيـن * مـن أهل الـحـضـر فـي الـسـهـول ,
و يـفـصـلـهـم عـن أهــل الـمـدر فـي الـصـحـراء بـون الـمـسـافـة بـيـن الـشـمـس والـقـمـر ,
يـشـتـهـرون بارتـبـاط الـحـضـرة لــديـهـم , بـرقـصـة الــدم عـلـى أعـتـاب أولـيـاء نـعـمـتـهـم , حـتـى قـيـل :
لا يـعـرف فـي غـيـر وردهــم أثـنـاء الـمـدائـح الـصوفـيـة , مـا يـحـتـاج ضـرورة إلـى الـبـكـاء عـلى إيـقـاع نـبـح الـكـلاب فـي الـعـراء .....
و أغــلـب الـظـن وإن كـان بـعـضـه إثــم , أن * الـبـوعـبـيـديــيـن * فـي الأصـل مـن أهـل الـعـدوتـيـن فـي بـلاد الـمـغـرب , والله أعــلــم.
قـال *عـجـيـلـة الـكـلـبـي*:
دعاني الـرجـل بإيـماءة لـم تـتـحـرك لهـا شـفـتـاه ,
اتــجــه نـحـوي, يــسـتـحـثـنـي للانـضـمام إلى الجـماعـة.....
أخـذت مـكـانا بـجـانـبـه ,
و أنـا أشـعـر بـالـتـنـمـل فـي جـسـدي الـمـتـعـب , كـأن سـهـامـا غـيـر حـادة تـداعـبــه ,
بـرقـت عـيـنـاه مـن فـيـض أسـئـلـة قـلـقـــة بــلــلـتـهــا الـدمــوع.....
نعـى لي فـي هـدوء الـعـاقـل و وقـار الـشـيـخ , مـوت ثـلاثــة من أبـنـائـه ,
مـقـتـضـبـا كأنـه يـنـعـي غـريـبـا عـن الـدوار ....
طـأطـأت رأسـي , لـم يـسـعـفـنـي الـنـطـق .
+ ألا تعرفهم ؟
تـمـنـيـت لـو كـنـت أعـرفـهـم , فـقـد كـان يـكـون وضـعـي أحـسـن حـالا بـيـن الـقــوم ....
اسـتـدركـت أنـه يـجـب عـلـي العــزاء....
+ الله يعـظم الأجــر...
لم يـرد سـوى بغـمـغـمـات متـقـطعــة .
حـنـى الشـيخ رأسـه ,
حسـبـتـه يـسـتـعـد للـنـحـيـب مـن جـديـد , مـجـاراة لارتفاع عـقـيـرة الـبـكـائـيـن من حـولـه....
رفـع بـصـره إلى السـماء , لـمـست جـفـاف حدقـتـيـه ,
لـعـلـه لـم يـكـن يـبـكـي .
نـبـس هـذه المـرة بحـروف مـتـصـلـة...
لـعـن يـزيـد و مـن يـزيــد ,
وكــال مـن كــان الـحـيــلــة و الـسـبـب , وابــلا مـن الـســب يـنــم عــن غــيــظ شـديــد ..
دهـدهـت على ركـبـتـه , أدعــو لـه بالصـبـر والسلـوان في المـصاب الجـلـل ....
دون اتـضـاح الـعـلـة فـي الـمـوت , بـيـن مـرض عـضـال أو حـادثــة طـارئـة ....
قـال وهـو يـشــد عـلـى يــدي بـحـرارة :
+ بعـد فــراق طــال أكـثــر مـن عـشـر سـنـوات ,
عـشـر سنـوات ,
هاهـم يعـودون إلـي جـثـثـا هـامـدة....
قــيــل إنـهـم كـانــوا بـيـن ثـلــة مـن الـشـبـاب , فـي سـجـن عـرف بـاسـم * الـزمـامـنـة *,
دون أن يـعـرف لـه مـكـان ......
قــيــل إن حـكـم المـؤبـد فـي حـقـهـم , ظــل مـشـمـولا بـالـحـرمـان مـن الاتـصـال بالـعـالـم الخـارجــي ,
لـعـدوى أصـابـتـهـم مـن ذبـاب الـبـرك الآســنــة .....
مــرر الـشـيـخ كـفـيــه عـلى لـحـيــة كـثــة تـحـجــب مـقـدمـة عـنـقـه ,
تـنـهـد عـمـيـقـا بـحـرقـة حـسـرة أســى , لــو أصـابـت هـشـيـمـا لـرأيــتـه رمــادا , ثـم قـال :
لم أر أبنائي طـوال هـذه الـمـدة ....
حـتـى مـلامـح وجــوهـهـم , غـابـت عـن عـيـنــي ....
أذكــر قـامـاتـهـم ,
كـانـوا بطــول الـشـجـر .
وأذكـر أصـواتـهـم ,
كـانـت تـفـت الـحـجـر وتـفـزع الـنـائـم إذا سـكـر...
كـتـب الـنـسـنـاس بـن حـرب ,
ويـلـقـب بالـواسـطــي , عـنـد أهــل*تـامـزغــة* بـيـن ســوس و الـريـف ,
في حاشـيـتـه بـخـط يـده, ما يـفـيـد على سـبـيـل الـشـك ,
أن سـجـن * الـزمـامـنــة * هـذا ,
أو ما ظـل يعـرف بـمـأوى الخاصـة مـن عـصـاة السلـطـان ,
واحـد من المـعـتـقـلات غـيـر المـقــيـدة في السـجـلات الرسـمـيـة.
وأضــاف * الـنـسـنـاس بن حـرب *
أن العـامـة من الهـوام تـتـداولـه في أسمارهـا , عـبـر مـا يـتـسـرب مـن أخـبـار يـجــف لـهـا الـجـبـيـن, قـبـل أن يـذيـل نـفـس الـحاشـيــة بـقـولــه :
لم يـقـل أحــد إنـه رأى معـتـقـل *الـزمـامــنــة*,
أو لـقـي أحــدا مـمـن دخــلـه , إلـى حـدود زمـن الحـرب الأولــى على العـراق ,
حــتـى صـار مـوضـع خــلاف حـاد ,
بـيـن قـائـل بـوجـوده فـي الأثــر الـمـدنـس ,
و مـنـكـر لـوجـوده فـي الأصـل بالـخـبـر الـمـقـدس .
رغــم اتـفـاق الـمـخـتـلـفـيـن عـلى اسـتـحـالـة وجــود دخــان مـن غـيـر نــار ...
لأن مـا يـروج عـلـى الــخــبـر , قـطـعـي الـثـبــوت بـدلالــة الأثــر ,
و لا يـمـكـن الـقـول فـيه بـاحـتـمـال الـتــصــديــق والـتـكـذيــب , مـن قـبـيـل الإنشــاء .
قـال * الـنـسـنـاس بن حرب الـواسـطـي * :
وكـل الروايــات الـتـي تـداولـهــا الـنـاس ,
إنما وصــلــت بالسماع عـن الـقـصـاة من وراء البحـر , قـبـل الدنـاة مـنـه , مـمـن جـاوروه عـلى مـرمـى البـصـر فـي الـبـر ...
قــال * عـجـيـلـة الـكـلـبـي :
وقـفـت أسـتـأذن في الرحـيـل , بعـدما أيـقـنـت أن لا شـيء هـنا غـيـر الـبـكـاء بـدمــوع الــرجــال ,
تـمـتــمـت فـي نـفـسـي ,
لـيـسـت هــذه أول مـرة , أســمــع فـيـهـا بـنـعـي الـشـبـاب في ضـيـافـة مـخـزن هـذه الـبـلاد .
ثـم يـمـمـت وجـهـي شـطـر فـج بـيـن كـثـيـبـتـيـن ,
أبـغـي الـخـروج مـن أرض * بـنـي سـحـت * ,
لـولا صـيـحـة مـنــاد يـدعـو إلـى الـصـلاة ,
تـثـاءبـت ,
أحـسـسـت بـالـفـخ الـذي وقـعـت فـيـه ,
هـل أعـتـذر بـجـنـابـة الاسـتـحـلام ؟
هل أعـتـذر بـالـنـيـة الـمـسـبـقـة لـصـلاة الـقـصـر ؟
أم أعـلـن أنـنـي مـؤمـن , لـكـنـي لا أمـارس طـقـوس الـصـلاة عـلى طـريـقـتـهـم ؟
كـان الـشـيـخ قـد أعـلـن عـن إقـامـة الـصـلاة , و كـنـت بـيـن مـنـكـبـيـن .

محمد المهدي السقال

القنيطرة / المغرب

 

Minibluff the card game

Hotels